فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَاخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ، لِكَوْنِهِ صَيِّتًا، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (أَمِينًا) أَيْ: عَدْلًا، لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسُحُورِهِمْ الْمُؤَذِّنُونَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَفِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُؤْتَمَنُ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِأَذَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَعْلُو لِلْأَذَانِ، فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَاتِ (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ، فَرُبَّمَا غَلِطَ.
وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَذَانَهُ وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ إقَامَتَهُ (عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ) لِيَتَحَرَّاهَا، فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْخَطَإِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَذِّنُ (عَبْدًا، وَيَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حُرِّيَّتُهُ اتِّفَاقًا، لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَيْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ) الْمُؤَذِّنُ (حَسَنَ الصَّوْتِ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ (وَأَنْ يَكُونَ بَالِغًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلِأَنَّهُ أَكْمَلُ (وَإِنْ كَانَ) الْمُؤَذِّنُ (أَعْمَى وَلَهُ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهْ نَصًّا) لِفِعْلِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
(فَإِنْ تَشَاحَّ) مِنْ الشُّحِّ وَهُوَ الْبُخْلُ مَعَ حِرْصٍ (فِيهِ) أَيْ: الْأَذَانِ (اثْنَانِ فَأَكْثَرُ قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَدَّمَ بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ لِكَوْنِهِ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ " وَقِسْنَا بَقِيَّةَ الْخِصَالِ عَلَيْهِ (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ قُدِّمَ (أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا قُدِّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الصَّوْتِ، فَبِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّ مُرَاعَاتَهُمَا أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الصَّوْتِ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِفَقْدِهِمَا أَشَدُّ (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ قُدِّمَ (مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ الْمُصَلُّونَ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ فَكَانَ لِرِضَاهُمْ أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ، وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ عَنْ النَّظَرِ.
(فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَشَاحَّ النَّاسُ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ وَلِأَنَّهَا تُزِيلُ الْإِبْهَامَ (وَإِنْ قَدَّمَ) مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْدِيمِ (أَحَدَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ) فِي الْخِصَالِ السَّابِقَةِ (لِكَوْنِهِ أَعْمَرَ لِلْمَسْجِدِ وَأَتَمَّ مُرَاعَاةً لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَقْدَمَ تَأْذِينًا أَوْ أَبُوهُ) أَقْدَمَ تَأْذِينًا (أَوْ لِكَوْنِهِ) (مِنْ أَوْلَادِ مَنْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ فِيهِ، فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ.