وَالِاسْتِحَاضَةُ كَمَا تَقَدَّمَ: سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ، دُونَ قَعْرِهِ، إذْ الْمَرْأَةُ لَهَا فَرْجَانِ، دَاخِلٌ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ، مِنْهُ الْحَيْضُ، وَخَارِجٌ كَالْأَلْيَتَيْنِ مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ ثُمَّ هِيَ لَا تَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ.
(فَإِنْ كَانَ) دَمُهَا (مُتَمَيِّزًا بَعْضُهُ أَسْوَدُ أَوْ ثَخِينٌ أَوْ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ) غَيْرُ مُنْتِنٍ (فَحَيْضُهَا زَمَنَ الْأَسْوَدِ أَوْ) زَمَنَ (الثَّخِينِ أَوْ) زَمَنَ (الْمُنْتِنِ إنْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِأَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ) يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ (وَلَا يُجَاوِزُ أَكَثْرُهُ) خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَلَا يَنْقُصُ غَيْرُهُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ (فَتَجْلِسُهُ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ «إذَا كَانَ الْحَيْضُ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عَرَقٍ» وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَرَجَعَ إلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، كَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَإِنْ تَعَارَضَتْ الصِّفَاتُ فَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ.
فَإِنْ اسْتَوَتْ رُجِّحَ بِالسَّبْقِ، وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ (كَثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ) الدَّمِ، فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ، وَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا، صَارَتْ عَادَتُهَا بِالتَّمْيِيزِ، لِثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا صَارَتْ عَادَةً، فَتُجْلِسهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ بَعْدَ (وَلَا يُعْتَبَر فِيهَا) أَيْ: الْعَادَةُ الثَّانِي بِالتَّمْيِيزِ (التَّوَالِي أَيْضًا) أَيْ: كَمَا لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(فَلَوْ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ) يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا (ثُمَّ) دَمًا (أَحْمَرَ وَعَبَرَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ) أَيْ: جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، بِأَنْ كَانَ الْأَسْوَدُ عَشْرًا وَالْأَحْمَرُ ثَلَاثِينَ - مَثَلًا - (فَحَيْضُهَا زَمَنُ الدَّمِ الْأَسْوَدَ) إنْ صَلُحَ حَيْضًا فَتَجْلِسُهُ (وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) دَمُهَا (مُتَمَيِّزًا) بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَنَحْوَهُ (أَوْ كَانَ) مُتَمَيِّزًا (وَلَمْ يَصْلُحْ) الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، بِأَنْ نَقَصَ عَنْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، أَوْ جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ (قَعَدَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ: سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي) أَيْ بِاجْتِهَادِهَا وَرَأْيِهَا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى عَادَتِهَا أَوْ عَادَةِ نِسَائِهَا، أَوْ مَا يَكُونُ أَشْبَهَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا.
وَوَجْهُ كَوْنِهَا تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ: " حَدِيثُ «حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً قَدْ