كتاب بغداد (صفحة 58)

على وَلم يتحمله لي أَيْضا فَمَا ظَنك يَا أَبَا الْهَيْثَم بِمن يُرِيد أَن يسْقط بَين هذَيْن مَا يلْزمه لكل وَاحِد مِنْهُمَا كَيفَ لَا تكون حَالَته إِلَّا حَالَة صعبة. هَذَا الْعَبَّاس بن عبد اللَّهِ بن حميد أحد من لَا أدفَع أَسبَابه فَإِن رزينا وزريقا قدما خُرَاسَان، فِي وَقت وَاحِد ثمَّ لم يَزَالَا مُنْذُ ذَلِك على الْمَوَدَّة والائتلاف، وأورثنا ذَلِك أعقابهما إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وليت الْعَبَّاس مَا وليت فتسخط واراد أَكثر مِمَّا سميت لَهُ وَعمل على مَا أستوجبه فِي نَفسه بموالاته. وَلم يجز فِي التَّدْبِير إِلَّا مَا فعلت فأحتاج إِلَى أَن يترضى وَيطْلب مَا كَانَ عَنهُ غَنِيا لَو نفذ لوجهه وَطلب لَكَانَ مَا يروم أسهل من أَن يطْلب. مَا هَذِه الدَّالَّة والتحكم فِي هَذَا الْوَقْت.

قَالَ: قلت: أصلح اللَّهِ الْأَمِير اغتممت بعدوتي هَذِه وَقد سررت بِمَا سَمِعت من الْأَمِير أبقاه اللَّهِ وَأَنا فِي أذن أَن أحكيه. قَالَ: شَدِيدا يَا أَبَا الْهَيْثَم وأبدي من عنْدك بِمَا رَأَيْت، وعَلى حسب مَا عرفت من مَعَاني فِيهِ فَإِنِّي أحب أَن تحدث بِهِ عني وتقرره عِنْد الْجَمِيع.

حَدثنِي عبد اللَّهِ بن عَمْرو، عَن رجل من آل عِيسَى بن مُحَمَّد بن أبي خَالِد، عَن عبد اللَّهِ بن أَحْمد قَالَ: خرج مهزم بن الفرز مَعَ طَاهِر بن الْحُسَيْن إِلَى خُرَاسَان فَلَمَّا جَاءَ الشتَاء قسم طَاهِر الْوَبر على أَصْحَابه وأغفل حَظّ مهزم فَدخل مهزم إِلَيْهِ فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير: قلت بَيْتا. قَالَ: أنْشدهُ. فَقَالَ: -

(كفى حزنا أَن الْفراء كَثِيرَة ... وَأَنِّي بمرو الشاهجان بِلَا فرو)

فَقَالَ لمن حضر: أجِيبُوا الرجل فَكَأَنَّهُ أرتج عَلَيْهِم فَقَالَ مهزم: أَنا أولى بإجابة نَفسِي. قَالَ: فأفعل فَقَالَ: -

(صدقت لعمري إِنَّهَا لكثيرة ... وَلكنهَا عِنْد الْكِرَام أولى السرو)

(فَإِن كنت عبديا فَمَا بك حَاجَة ... إِلَى لبس فرو فِي الشتَاء مَعَ الفسو)

قَالَ: فَضَحِك طَاهِر مِنْهُ وَقَالَ: أما لإن أغفلناك حَتَّى حملناك على سوء القَوْل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015