كتاب بغداد (صفحة 57)

الْبَاقُونَ لَا يحْتَاج من كَانَت نوبَته إِلَى أَن يدعى، إِلَّا أَن يشتهى ذُو اليمينين أَن يَدْعُو رجلا فِي غير نوبَته فيدعو بِهِ فَلَمَّا أَخذنَا فِي الْأكل لم يرني أنبسط فِي الحَدِيث كَمَا كنت أفعل، أَو كَمَا كَانَ يُريدهُ من جَمِيع مؤاكلته من الانشراح وَترك الانقباض واستطابة الطّيب فَقَالَ لي يَا أَبَا الْهَيْثَم: أحسبك أنْكرت مَا أجبْت بِهِ سعيدا؟ . قَالَ قلت: إِي وَالله أصلح اللَّهِ الْأَمِير ولوددت إِنِّي لم أكن حضرت هَذَا الْيَوْم. فَقَالَ لي يَا أَبَا الْهَيْثَم: أَنِّي منيت بِأَمْر عَظِيم، وَوَقعت بَين خطتين صعبتين خرجت من خُرَاسَان وَأَنا رجل من أَهلهَا إِن لم أكن من أرفعهم قدرا فَلم أكن من أوضعهم حَالا وَلَيْسَ بخراسان أهل بَيت من أهل بيوتاتها، وَلَا أهل نعْمَة إِلَّا وبيننا وَبينهمْ معاشرة ومخاتنة أَو مصاهرة، أَو مجاورة فَهَذَا توسطنا بَين الْقَوْم وَمن كَانَ هَذَا موقعه لم يخل من صديق، وعدو، وَولى، وحاسد ثمَّ ندبت لهَذَا الْوَجْه فخشى الوالى أَن لَا أَفِي لَهُ فأغتم وساءه، وَرَأى مَا كنت فِيهِ بَين أظهرهم وتحرك من اسْمِي بَينهم مَا كَانَ كَافِيا لي وَلَهُم فِي يومهم، وسر الْعَدو والحاسد وَرَجا أَن يكون قصوري عَن الْقيام بِمَا أهيب بِي إِلَيْهِ تسقطني فَخرجت على هَذَا الْخطر الْعَظِيم فَأعْطى اللَّهِ جلّ وَعز أَكثر من الأمنية وَله الْحَمد.

وَلم يكن لي غَايَة بعد مَا منح اللَّهِ وَأحسن إِلَّا أَن أرجع بنعمتي وجاهي وعزي إِلَى بلدي وداري، وإخواني، وجيراني ومعارفي ليشركوني فِي ذَلِك كَمَا شركوني فِي الِاعْتِدَاد بِهِ وليغيظ الْعَدو والحاسد من ذَلِك مَا يغِيظ. فَلَمَّا ولاني أَمِير الْمُؤمنِينَ خُرَاسَان لم أَضَع ثِيَابِي فِي منزلي حينا حَتَّى نَدِمت وأظهرت ذَلِك لمن حضرني مِمَّن آنس بِهِ فِي الْإِفْضَاء بِمثل ذَلِك إِلَيْهِ، وفكرت فِيمَا يلْزَمنِي من حق السُّلْطَان وَحقّ الإخوان ومثلت فِيمَا أوجب للصنفين فَرَأَيْت أَنِّي إِن وفرت على السُّلْطَان كل حَقه أخللت بالإخوان، وَإِذا أخللت بهم وأخطأهم مَا كَانُوا يقدرُونَ قَالُوا: لَا كَانَ هَذَا وَلَا كَانَ يَوْمه الَّذِي كُنَّا نؤمله وتعلقت أطماعنا بِهِ، وَإِن وفرت عَلَيْهِم مَا كَانُوا يقدرُونَ فِي أنفسهم لم يجز ذَلِك فِي التَّدْبِير وأخللت بالسلطان وَلم يكن ذَلِك حَقه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015