هكذا، وجعلت الواحد كأنه الجماعة، جعلنا نحن الواحد كأنه جزء بعض، وأن الجماعة كأنهم واحد؛ وكنا نحن بهذا التقدير وهذا الترك للحقيقة أسعد، لأنا ضاهينا به أصل وضع القصاص. وهو أن أصله أنه لا يثبت مع الشبهة؛ وأنه إذا ثبت فإنه على التعرض للإسقاط بالندب إلى العفو؛ وبسقوطه بعفو واحد من الجماعة يسقط بعفوه حق الباقين. ولو كان لكل واحد جميع الحق، لكان الكل الذي جعل لمن لم يعف كأنه كل آخر.
ووجه ترجيح ما ذهبت أنا إليه أنه إذا كان جميع الأولياء كالواحد في الحق، وهذا الواحد كالبعض، صار الاستيفاء لا يجوز إلا عند اجتماع الكل ومع اختلاف الآراء. فهذا رقيق لا يستوفي، وهذا قاسٍ يطلب التشفي بترجيح الإسقاط. لأن رقتنا لواحد منهم على القاتل يوجب إيقاف الحق، وعلى الإيقاف وضع على البدار. ويشهد لذلك إجماعنا على أنه لا يستوفي مع غيبة غائب طلبًا للبدار. فكذلك لا يجعل الواحد الكبير كالمنفرد بالحق طلبًا للبدار وتحصيل الاستيفاء. ووجب الصبر حتى يبلغ الأصاغر. بخلاف النكاح، فإنه أمر بني على البدار. فتزويج البنت عورة تستر. ولهذا جعلت في الندب إلى تعجيل نكاحها كمواراة الميت وتجهيزه إلى قبره. ولو أوقفنا النكاح على جميع العصبات، لوقف وخرج عن أصله. فالعلة التي لأجلها راعيت اجتماع الجماعة ههنا، راعيت عدم اجتماعهم على النكاح. لأن ههنا راعيت الاجتماع ليقف، وراعيت عدم اجتماعهم هناك في النكاح لئلا يقف.