وأما الدنيا، فهي دار العمل. والرزق فيها للقيام بشروط التكليف وإزاحة العلل. فأما لجزاء العمل، فلا. ولهذا تقع التوسعة في حق الكفار والفساق بسعة الأرزاق والإملاء لهم بإطالة الأعمار. وقال سح: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا}. فلا يعجبك أموالهم ولا أولادهم؛ {إنما لا يريد الله ليعذبهم بها}، {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين}، {نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}، {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}. فهذا جميعه تقرير لسؤال الحنفي.
فأما ما ذكره الحنبلي وحققه، فإنه لا يجوز أن يكون التأخير والوعد والوعيد هو المقصور على الأجزية لنصوص الكتاب، ودلائل العقول ووضع الشرائع كلها على خلاف ما قرره أبو زيد من هذا المذهب. وذلك أن الله تع أعلم بما خلق. وقد علم أنه وضع طباع خلقه على أنهم لا يعملون بنسيئة، وأنهم على طباع تتضمن دواعي متعجلة ومنافع ناجزه. لا تتحرك أدوات أعمالهم إلا بعاجل منقود، أو منسي موعود؛ ولا تتحقق لهم الأعمال والانتهاء عن القبائح إلا بزجر ناجز، وعقوبات عاجلة. فجميع ما وعدهم به في الآجل وتواعدهم به في الآجل أذاقهم من الأمرين جميعًا طائلًا وأنموذجًا. فكان ما عجله من النعيم حاثًا لهم ومنهضًا إلى ما أمرهم به. وصرح بذلك. وما تواعدهم به أذاقهم منه طرفًا، فكان أكد صارفًا وأعجل زاجرًا. فقال سح: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من