صح أن يعقل فصلا بين السواد والبياض, والسواد والتحيز. لأنهما لا يوصفان, حيث هما وصفان. فلما حصل اختلافهما في المعقول ولا صفة, بطل أن يكون مخالفة التحيز مخالفًا للسواد بالصفة.
قال قائل: إذا كانت النية هيه القصد, فهل كل ما يعتبر له القصد يعتبر له النية؟
قيل فيه فصل تحرر فأزال الإشكال: النية قصد على صفة فعل. هذا ينكشف بالمثال. وهو أن الذابح عبثًا وإهمالا لا يباح أكل ذبيحته. والقاصد إلى الذبح يباح ذبحه. والناوي هو الذي يقصد بالذبح القربة. وأكشف من هذا أن القائل لزوجته "أنت خلية" قاصد إلى هذا القول. لأن الكلام لا يصدر إلا عن إرادة الحي له. فليس من ضرورة قصده لقوله "أنت خليه" أن يكون ناويًا. حتى لو سأله سائل فقال "أقصدت قولك لها (أنت خلية)؟ لقال "نعم." وهذا سؤال لا يحسن. إذ نفس الكلام لا يصدر إلا عن قصد. ألا في حق المبرسم. فلا يحكم بطلاقة حتى يسأل سؤالاً ثانيًا. فيقال "هل قصدت الطلاق؟ " فإذا قال "قصدت بقولي (أنت خلية) الطلاق" أو "خلية من نكاحي," كان حينئذٍ ناويًا. فقد بان الفرق بين القصد المجرد وبين النية؛ وهي القصد على صفة.