الأنفس والقلوب من القيان، لرآه حسنًا؛ إذ فيه تقوية النفس، ورفاهية الجسم، وروح القلب، ونعيم الجسد. فلما جاءت الشرائع لم يقنع بأن يبيح إيلام الحيوان حتى جعل ذبحه تقربًا إليه وقربانًا؛ وحرم أكثر النعيم وجعله بعدًا عنه وطغيانًا؛ فتركت هذه الأمور. العاقل لا يحكم بعقله؛ ولا يقبح قبيحًا حكم العقل بقبحه؛ [بل] فوض الأمر إلى الشرع.
وكان بالحضرة رجل ينتحل مذهب العدل والتوحيد؛ فأجابه: هل [كان] اإستدلالك هذا حسنًا أم قبيحًا؟ فإن قلت ((حسنًا)) أو ((قبيحًا))، سألناك عن طريق تحسينه وتقبيحه. فإن أجبت بأنه العقل، كفانا ذلك إبطالًا لما قررت. وإن قلت ((علمت ذلك بالشرع، )) قيل لك ((أين النص في كتاب الله، وأين سنة رسول الله فيما ذكرت؟ )) على أنا نبسط الكلام، ونفتح عن مجال الجدال حتى لا يضيق عليه، فنقول: أظننت أن تحسين إيلام الحيوان، بعد تقبيحه بالعقل، لمجرد كونه إيلامًا؟ كلا! ولكن لما ثبت عندنا بأدلة العقول حكمة واضع الشريعة، وأنه لا يفعل القبيح ولا يشرعه، وأننا لو جوزنا ذلك لا نسد علينا باب العلم بصدق السفراء، - لكنا لما سبق لنا العلم بأن الصانع القديم حكيم لا يفعل القبح، ثبت لنا أنه لا يؤيد كذابًا - فثبت أنه لما أيد بالإعجاز أشخاصًا، كانوا صادقين. فلما ثبت ذلك، جاءت [الشريعة] بإيلام الحيوان لوجه من وجوه الحكمة والمصلحة. وليس في العقل وتقبيح الإيلام على الإطلاق، بل بط الدبلة، وألم الفصد والجحامة، وشرب الأدوية،