وقع في الحس؛ ثم يجيء النسخ بعد ذوق وبال العربدة وحصول المفسدة.
قال الخصم: وما معنى الأصلح في الزمان؟ والأصلح يعود إلى فعل الفاعل القادر على إصلاح كل فاسد. ولا صنع للزمان في الفعل، ولا للطباع. وإنما يعود الفعل على فعل الفاعل على صفة تبعد من الفساد، وتقرب من الصلاح. فهلا فعل ذلك أولا، ولم يفعل فعلاً فيحكم بحسنه، ثم يشرع شرعًا فيحكم بحسنه، ثم ينسخه فيصير قبيحًا؟ وهل هذا إلا نفس البداء، مع كون الفعل واحدًا، والزمان معطلاً من نفع وضر وإصلاح وإفساد؟
قال له متكلم محقق: المصالح، وإن كانت تختلف باختلاف الأزمان، فالله تع جعلها مصالح في زمان فأباحاها رفقًا بأهل الزمان بحسب ما خلقهم، وحرمها في زمان بحسب ما خلق. وقولك إنه قادر صحيح، غير أن مع خلق القدر للمكلفين وتركهم والتكليف من غير جبر على الخير، ولا منع عن الشر، فلا بد من مصالح بحسب دواعيهم وأحوالهم. وكما أنه يغير خلقهم وأرزاقهم من قلة إلى كثرة، ومن صغر إلى كبر، ومن صحة إلى سقم، مع قدرته على أن لا يفعل ذلك، ولا يكون بداءً، فكذلك تغير الأحكام في حقهم بحسب مصالحهم ولا يكون بداء، وكونه قادرًا على أن لا يغير حالاً، وقد غير، ولم يخرجه ذلك إلى عجز ولا سفه، وحاشاه! كذلك تغيير أحوال مللهم.