قال في عرض كلامه: وأما يحيى فما أسلم أنه مدحه بحصر في الطبع. وهل ذلك مدح وما وضع نبينا صلع على ضده يكون مدحًا؟ فلو كان محو شهوة النكاح عن الطبع مدحة، لكان إيجادها مذمة. والنبي صلع ظهر من حاله بكثرة النكاح والميل إلى النساء ما دل على أنه شهي إليه ذلك، وما خص به من البنية والطبع فهو أفضل. لأنه صلع نبي على أكمل المباني وأفضلها. ثم حلي بأجمل الحلى وأكملها. ألا تراه كيف شق صدره وأخذ حظ الشيطان منه وغسل قلبه؛ فلو كانت شهوة النساء حظا للشيطان، لزالت عنه كما زال عنه الكبر والبخل والجبن والشح والكذب والخيانة. وكيف لا تكون محبة النساء فضلا في الطبع، وهي عناية الحكيم الأزلي بدوام العالم الكلي، جعلت الفصل الصحة لإيجاد النسل، حتى الأرض أفضلها المنبتة حتى سميت طيبة. فقال ابن عباس في قوله: {صعيدًا طيبًا} بأن الطيب القابل لماء المطر المنبت للربيع والزهر. وما ذلك إلا لأن النشؤ كمال. ومعلوم أن الجواد أهطل وجاد. والأرض إذا أنبتت، والريح إذا ألقحت، كانت أفضل؛ حتى إن الله سح وصف ريح قوم عاد بالعقيم لإعدام الإلقاح. وإذا كان في الطبع فضلاً، كان أيضًا في الشرع؛ حيث يكون التارك للجماع على وجه الحظر المعتصم بالسنة والأمر مثابًا على صرف الشهوة إلى السنة، فهو مثاب ببترك الزنا، ومدافعة النفس عنه مثاب على قصد الولد اتباعًا للسنة، وهو تكثير الأمة.
لم يبق مع هذه القاعدة إلا أن يكون الحصر في يحيى عصمة، لا