قال قدري: إن كان القدر موجبًا فعل المقدور في حق الخلق فإنه، على ما تحقق بين العلماء، ما علمه الله من أفعال العباد. وكما أنه علم ذلك، كتبه في اللوح ليظهر لملائكته علمه للأمر قبل كونه، فتسبح بحمده وتعلم مقدار ما اتصف به سح وتكلم به في كتبه التوراة والإنجيل والقرآن. وكلامه صفة، ومن صفته الصدق الذي لا يجوز عليه سواه. وكما أنه لا يمكن الخلق أن يفعلوا خلاف ما علمه لئلا ينقلب عليه سح جهلًا، ولا يفعلوا خلاف ما أخبر به لاستحالة أن يعود خبره كذبًا، كذلك لا يجوز أن يفعل هو ما علم سواه ولا يفعل إلا ما أخبر به فيفضي إلى أنه ما تم له الوصف إلا بالخلق، وأن فعله في حجر علمه وخبره. فالقدر قاض على أفعاله وأفعال خلقه.
402 - ((فصل
العذر لا يقوم إلا لقصور في المعتذر بأن يقول إن جنى: ((ما علمت، )) أو تقاعد عن حق ((لم أعلم بتوجهه علي، )) أو ((علمت لكن ما استطعت.)) قال هذا لقائل: وأرى الرزق عني كالمتقاعس، والحظ في حقي وسنان أو ناعس، والدنيا والآخرة نعما، وأنا وأمثالي نتدبق قوما. والمالك يقول: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}؛ ويقول: {وله كل شيء}. فإذا سد باب العذر ببيان قدرته وسلطانه وغنائه، لم يبق عندي إلا السخط يمنعني.