وكل الأعيان بالإضافة إلى قدرته وغنائه أحسن وأهون من ضوء النار وظل الجدار، بالإضافة إلى آحادنا. لكنه، مع ذلك كله، جاء الشرع عنه على ألسنة الصادقين بتحريم أعيان، وكراهة أعيان، وإباحة أعيان. فقد بان بذلك أنه لم يبق وجه للمنع إلا أحد أمرين. إما امتحانًا وابتلاءً، أو لمصالح علمها في المنع والحظر لبعضها، والإباحة لبعضها، || وتحريم بعضها في وقت، وإباحته بعينه في غير ذلك الوقت، ونقل الأحكام بالنسخ من إباحة إلى حظر، وإيجاب إلى إسقاط، وإلى أمثال ذلك. فإذا كان كذلك، وقد ورد على هذا الوجه، صارت الدنيا وما فيها من العقار والأعيان كدكان عطار فيه أنواع من الأشربة والأدوية التي لا تصلح إلا لنا، غير أنا بالمضر منها من النافع غير عالمين، والصالح المزاج بعضنا دون بعض جاهلين، وبالإقدام على تناول بعضها غير آمنين. فلم يك بد لنا من الوقف إلى أن يجيء الإذن من جهة العالم بالضار منها من النافع، كما لا يجوز الإقدام على عقار من تلك العقاقير إلا بإذن طبيب حاذق وصيدلاني عارف يعرف هذا عين الدواء، ويعرف هذا ما يصلح له.- والله أعلم.
قال المعترض: فهذا يوجب أن نتوقف في زمن النبوات عن الإقدام على مداومة الأفعال، خوفًا من التحريم بالنسخ، ولأن العقل قد قطع على أن الماء البارد والخبز المشبع نافع بعاجل الحال، ويتوهم الضرر والتحريم، فلا يعطل العقل عن قضية عاجلة لتجويز قضية تخالفها آجلة.