قال حنبلي ينصر أحد الوجوه الثلاثة: إن أصلنا أن العقل لا يبيح ولا يحظر. فإذا كان الشرع لم يرد بإباحة ولا حظر، تعذر طريق الإباحة والحظر. فإذا تعذر طريقهما، فلا وجه للفتوى بواحد منهما، لأنه لا يبقى لنا طريق إلا الحدس والحزر. ولا يرضى ذلك لأحكام الله سح طريقًا.
اعترض معترض، فقال: لا أسلم هذا الأصل، بل العقل لا قضايا، من جملتها الإباحة والحظر. ومما قضى به العقل، مما لا خلاف فيه، ولا يمكن المخالفة فيه لأهل الإثبات، قضاؤه بحدث العالم وأن له حادثًا وصانعًا. ومن قضاياه أن كل محدث فلابد له من محدث. ومن قضاياه أن إحكام الصنعة لا يحدث إلا من عالم، لأن من الإتقان إعدادًا لمستقبل، ولا بعد المستقبلات إلا عالم بالثاني والمآل. ومما قضى به تصديق الرسل- صلوات الله عليهم- بما أوجبته دلالة صدقهم، وهي المعجزات. فلابد بعد هذا كله أن يترتب على قضائه بالصانع بكونه عالمًا وبتصديق الرسل أن يقضي على أقل الأحوال بحسن تصديقهم. لأن الصحة حكم والحسن حكم. فكيف يرضاه لأحد الحكمين، ولا يرضاه للآخر؟ وكيف يعطل قضاياه في أحكام أفعالنا، وما عطلناه بل أعملناه في أحكام أفعال الصانع؟