قال المستدل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ بالدعاية؛ فدل على أنها هي الأصل؛ ولا يبدأ بالقتال ولا القتل.
قال له المعترض: هذا عليك، لا لك. لأنهم قد كانوا كفارًا، وتكاملت علة القتل فيهم، ولم يقتلهم. وإنما بدأ ((بالدعاية لأن الأسهل فالأسهل هو الذي يبدأ به. وهم في الأصل آدميون، معهم أدوات النظر والاستدلال المانع من الإصرار على الجحد والكفر. فهو منهم، على هذه الحال، على رجاء الاستصلاح وإزالة سبب الحراب. فإذا حصل الإياس بالعناد منهم، حينئذٍ قتل. ولذلك أسقط البداية بالدعاية لمن بلغه الدعوة، وجوز البيئات.
وأما قولك أن عصم بالذمة ضرورةً، فليس كذاك. لأنه ما حقن الدماء إلا بما عاد نفعًا لنا. وبه أستدل عليك على أنه ما قتل إلا لما كان ضررًا لنا، وهو الحراب. والدلالة على أنه ما عصم إلا بما عاد نفعًا لنا هو أن الحقن بأحد أمور كلها نفع، إما هدنة على كف شرهم، أو دفع أموال. وعقد الذمة بالجزية أو الاسترقاق. وهو جعل رقابهم متمولة متبذلة في أنواع الانتفاع. وإذا [كان] الحقن للنفع لنا، تحقق أن الإراقة لدفع الضرر عنا، لا لأجل حق الله - سبحانه وتعالى- الخالص له.
وأما قولك إن القطع في السرقة لأجل أن الأموال في نفسها محترمة، فمن أبعد ما يكون. وهل رأينا مالًا قط ليس له مالك، ولا يضاف إلى