لكنه يحصل ويسبق بنفس الإيمان، فليس بكلام صحيح. لأن الإيمان أصل، وتوطين النفس على أن ما يرد من الأوامر يمتثله فرع من فروعه. وذاك اعتقاد جملي، فعلق على ما عساه يكون من الأمر في الثاني. ونحن نتكلم في أمر قد ورد بفعل مجمل أوجبه اعتقاد وجوبه. فأين هذا من ذاك؟ وهذه الطريقة أحسن طريقة تجيء على أصلنا، من حيث إنما يجوز ورود النسخ للشيء قبل وقت فعله. فإذا نسخ، علمنا أنه ما كان المقصود بالأمر به إلا ما يحصل للمتكلف؛ وما يحصل له مع النسخ قبل وقت الفعل إلا الاعتقاد والعزم. فعلى هذا قد بان أن العزم والاعتقاد مقصودان بالأمر، حيث أجزنا النسخ قبل وقت فعل المأمور به، وقولكم إنه من حكم الإيمان. فهذا يؤكد ما ذهبنا إليه. لأنه إذا جاز أن يكون بأصل الإيمان يجب الاعتقاد لاعتناق ما يرد به الأمر، فكيف لا يجب مع ورود الأمر اعتقاد ما يحصل من بيان المأمور به؟
وأما قولكم إنه يفضي إلى التجهيل، فليس بتجهيل له عن علمٍ علمه؛ وإنما هو تدريج في تحصيل العلم له. والتدريج هو إعلام لشيء بعد شيء. وليس من شرط العلم أن يقع جملة واحدة؛ بل الاستدلالي يقع بمقدمة بعد مقدمة. فأول ما يقع العلم بالنظر || الأول في حال العالم، حدث العالم؛ ثم إثبات الصانع بنظر ثاني. وكذلك النظر في إحياء الميت، أنه دال على صدق من قام ذلك على يديه. ثم النظر الثاني أن لا يجوز أن يكون هو الفاعل له، بل هو مؤيد به. وعلى هذا أبدًا.