وإنما هي أمنية لأمر لا يستحيل كونه. وما كان أحق بذلك أهل العلم الذين يتطلبون الحقائق ويرومون رضا الخالق!
فقلت أنا عذرًا لهم: إنهم أحباب فارقوا بمعانٍ، وهي الأرواح والأخلاق والنطق والحس. ولم يبق عندنا منهم أثر سوى الصور التي في الحفر. ولو أمكن تركها على وجه الأرض لتركت؛ ولكنها منعت بسوء الرائحة والاستحالات الجثثية. فأودعت في الترب، وبه حفظت. والذي بلغ إليه الجهد والطاقة والوسع ملازمة تلك الوهاد، التي تضمنت تلك الأجساد، من الأسلاف والأولاد. ولا عيب على عاقل ألف كلاً، ففاته معظم ذلك الكل، ووجد بعضه، فلزم ما وجد لعجزه عما فقد؛ ولم يترك ما قدر على وصاله وقربه، لما عجز عن وصله ببعده. وكيف لا يعذر من تمسك ببقعة تضمنت قالب الروح وهيكل النفس، وهو وطن لتلك الجوهرة العجيبة والنكتة الغريبة؟ ومعلوم تمسك النفس بآثار الظاعنين، كالديار والجدار. وقد شببت الشعراء في أشعارها بآثار القدور والأحواض وتخاطيط البيوت ومراتع النعم. وما ذلك إلا لوجد في النفس وشغف في القلب بآثار المألوفين. ومن أنكر ما اصطلح عليه العقلاء، فقد قال النكر وأبدع في القول.