التعريف. ولو لم تعلم ذلك حكماء العرب، لما انتسبت عند البراز واللقاء. ولاشك أنها لم تقصد إلا إضعاف قلوب المبارزين. فإن الإنسان، إذا عرف الصور المبارزة، [استولى عليه] الانخذال والاسترسال، واستشعر الهزيمة لما يلحظ من أيام المنتسب ووقعاته، وما تقدم له من سوابق الغلبة. ومن ذلك ما يفعله العقلاء من تهوين بعض الأمور. فإنما يقصدون فيها الوسط، لا الغاية والإفراط. كتأخرهم لقفز النهر. فإنه كما يتهيأ للقفز من جانب النهر حتى يفسح وراءه للتحمي، كذلك لا ينبغي أن يبعد حتى يفزع نفسه ويقطع قلبه عن الإقدام. لأن الإنسان، كما أنه يحتاج أن يتهيب ليحترز، يحتاج أن لا يفرط فينقطع. وتخليص الاعتدال والمقاومة طب العقل. وما أصعب هذا الأمر عند من خبر تغالب الأشياء وتقاومها، وانتهى كل شيء إلى ضده! وما أحسن ما بين الحق سح سلوك الوسط بقوله {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} فهو الذي ركب في الطباع الغالب، وجعل بينها واسطة تنهى عن الإسراف والإضاعة والبخل والإمساك، وهو الشرع المؤدب والعقل المجرب سح وتع.
ومن فهم هذا الفصل من كلام النبي عم أيضاً كما فهمه من الآية علم أن الأدلة متناصرة. قال النبي صلع: صادق صديقك هوناً ما، عسى أن يكون عدوك يوماً ما؛ وعاد عدوك هوناً ما، عسى أن يكون صديقك يوماً ما.