وأما الجناية فتتعلق برقبة الجاني حكماً، وهي أقوى مما يتعلق بالمحل عقداً. فصار حق الجناية في قوته كالحجر. والرهن بمثابة الهواء، ولو ملى الزق هواءً لم يمنع دخول الحجر لتخلخل الهواء أو اصطكاك الحجر.

قيل: إلا أن الحجر لا يدخل على المحل المملوء بالهواء إلا ويخرج هواء يحل محله. وإلا فليس يداخل الحجر الهواء، ولا يداخل الهواء الحجر. وهنا لما طرأت الجناية من المرهون، لم يخرج العبد عن شغله بحق الرهن ودينه، بل كان على ما هو عليه من الشغل؛ وتعلق حق الجناية به، فاشتغل شغلاً ثانياً. ولأنه لو كانت العلة ما ذكرت من ضعف حق الرهن وقوة الجناية، لوجب أن لا يصح طروء حق جناية على جناية؛ كما لا يصح في الحسيات، ودخول حجر على محل قد اشتغل بحجر لتساويهما. فلما صح دخول شغل على شغل مع تساويهما في القوة، وهو شغل العبد الجاني بجناية طارئة، بطل ما ذكرت.

قال الحنبلي: والعقد الأول ثبت لرمزية السبق وشغل المحل وطروء العقد الثاني. وهو مساوي العقد الأول لفظاً ومعنىً؛ إن لم يوجب شغلاً لا يوجب تفريغاً، وإن أوجب شغلاً فلا فراغ؛ فيقبل الشغل بما قررت. وإن قلت إنه يوجب تفريغاً، فيجب أن يوجب تفريغ جميع المحل، ويصير محبوساً بالثاني. لأنه كما كان المرهون في الأول قبل العقد فارغاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015