فإن قلتم ((لا يقدر إلا على المحكم)) صار كالملجأ، أو كالطبع الذي لا يصدر عنه إلا فعل على وجه واحد. وإن قلتم ((يقدر على المثبط غير المحكم)) فإذا صدر غير المحكم عنه، على أنه عالم.
السؤال الرابع أنه قد صدر إلى الوجود غير المحكم من الأفعال؛ فهلا دل المثبط منها على النقيض، وهو الجهل أو عدم || العلم؟
أجاب حنبلي فقال: أما الإتقان، فليس لنا، على من أثبت أن أفعال الآدميين خلق فيه. وخروج الفعل المحكم بغير قصد من أحد أدلتنا على كون الأفعال خلقًا لله سح. و [مقالة] أهل الإتقان أخس المقالات عندنا.
وأما ما يصدر عن الهوام والبهائم فإنه يصدر عن أحد طريقين: إما إلهام من الله وهو الحكيم العالم فما صدرت إلا عنه، ويشهد لذلك قوله تع: {وأوحى ربك إلى النحل}، بمعنى ألهمها. وأما قولكم: ((هل ما يصدر منه المحكم لا يقدر على غيره)) كلا! بل الباري قادر على أن يفعل المثبط؛ غير أنه إذا فعله لم يصدر عن جهل ولا عدم علم وحكمة؛ لكنه قصد به المعنى المحكم، وإن كانت صورته من طريق الحس مثبطة. ودلك مثل المرض العارض على الصحة، والتشويه المضاد للتحسين، إما محنة وابتلاء ليعوض عليه بالنعيم الدائم، أو ليعلم به ضده وهو الإحكام، ويعرف العباد مقدار النعمة بالإحكام والإتقان. ولو لم يكن قادرًا على المثبت لما بان فضل الحكمة وهو المنع منه بالحكمة.