علم أنه رفع ذلك وسد الخلل فيه بزيادة في الجمال والكمال الذي تدوم به العشرة، وتصفو به الألفة، من أخلاق تنضم إلى كرم الأصل وشرف النسب. فلا يعيرها ولا يؤذيها ولا ينقصها حقًا من حقوقها. والثقة بهذه الخلال والحظوة بتحصيلها أنفع لها من التوثق بالمهر الذي غاية ما فيه ارتهانه به وخوفه من نقله والمطالبة به؛ وبخوفه من الطلاق خوفًا من كثرة نصفه ((قبل الدخول، ومن ثقل حملته بعد الدخول. فإن التوثق بكرم الطباع أحرى من التوثق بالخوف من المطالبة بالمال.
اعترض عليه شافعي فقال: لا أسلم أن المهر تابع، بل أصل ومقصود قصد الأعواض في سائر المعاوضات. يفسخ العقد عند أبي حنيفة لأجل الجب والعنة لعدم استقراره وتعذر ما يقرره. ويفسخ عندنا وعندك، يا حنبلي، لأجل الإعسار به وبالنفقة. ويثبت شرعًا وتسميةً ويرد بالعيب ويحبس عليه الزوج وتحبس الزوجة نفسها عن التسليم إلى الزوج لأجله. وأما قولك إن الأب كامل الشفقة، لكنه غير معصوم في نظره. فإذا تحققنا بحبسه لحظها من المال تردد الأمر عندنا بين ما ذكرت من الخير وبين الخطأ والزلل في حقها. وكم ممن لا يدهى من جهة الإشفاق لكن يدهى من الخطأ في النظر، كالأب الفاسق أو المبذر! ولأن هذا لو صح، فهلا جعلته في المال علة إذا جاء بأموالها في الأشربة والبياعات، وحملت ذلك على أنه طلب؟ فالمحاباة تحصيل حظ إما من جهة سلطان بقصد حمايته وحراسته