تسقط المروءة، فلا تطعن في العدالة؛ لأنها بحكم ما دفع إليه امتحانًا من الشرع بطاعة المولى. والدفوع إليه من البذلة شرعًا أو إلزامًا ظلمًا لا يخرج عن العدالة ولا يطعن في المروءة. بدليل العدل الذي يوجد في الأسر من عسكر الإمام، إما أن يتسلط عليه أهل البغي، أو قطاع الطريق؛ والمبتذل في الحج تكشفًا عن المحيط، || وهرولة بين الناس، وخذفًا بالحصار في مجامع الناس- كل ذلك لما كان نسكًا بحكم إيجاب الشرع، والأول تعديًا بطريق البغي، لا جرم لم يطعن في المروءة ولا العدالة. وهذا المعنى واضح. وذلك أن المبتذل المطرح لقانون المروءة إنما ترد شهادته لأنه لا يؤمن أن لا يأنف من الكذب، كما لم يأنف من الدنايا التي سلكها بطوع نفسه. فأما إذا حمل عليها وكان فاعلًا لها بحكم غيره لا بطوع نفسه، فإنه لا يظن به أنه يفتعل الكذب بطوع نفسه حيث ظلم أو التزم. ألا ترى أن من أكره على الردة نطقًا وأكره على أكل الخنزير وشرب الخمور بأن كان أسيرًا في دار الحرب، لا يقال إنه لما دام على ارتكاب محظور دينه حملًا عليه وإلجاءً إليه، يظن به أنه يفعل ذلك طوعًا حتى يسيء ظننا فيه وتقوى تهمتنا له في شهادة أو خبر؛ بل بقينا على الثقة به لما كان عليه من العدالة الأصلية.

قال الرسول الإمام وهو المعروف بكيا الهراس: إن اضطراب المروءة لا يختلف الحال فيها بين الواجب والمباح. ولذلك جعلنا الصنائع الزرية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015