159 - قال بعض أهل العلم: ليس بيننا وبين البهائم إلا عدم الفهم لما ينطق به وفهم ما ينطق به. وإلا فلو وضح لنا منطقها ووضح لها منطقنا، لكانت لنا كما يكون بعضنا لبعض، وصدر عنها ما يصدر عنا من الأفعال المحكمة. والدلالة على ذلك أنه لما كشف لسليمان عن معاني مرادها بما أوزعه الله سح من فهم منطقها أخبرنا بما لا يستطيع الواحد منا، بل الحكيم منا. فمن ذلك قوله سح {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون}؛ {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} - أمر لهن- {لا يحطمنكم سليمان وجنوده}، بيان علة الأمر، وهي توقيتهن من الضرر. وقوله عن الهدهد {ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}. وهذا صرف الآية إليه بتأخره عما ندب له. ثم قال: {لأعذبنه}، وهذا وعيد، والوعيد لا يلحق إلا بمكلف لأمر يمتنع منه، {أو ليأتيني بسلطان مبين}. وهذا يعطي أن ليس بيننا وبينهم إلا إيهام الألفاظ؛ فيصير كالعجمة في حق الآدمي. وإذا لم يكن بيننا وبينهم إلا العجمة، ثبت أنهم مكلفون. ولهذا قال سليمان للهدهد: {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم} - يعني توار. وهذه أوامر مصروفة نحو الهدهد ومناه. وقد قال الله تع ما يدل على ذلك، وهو قوله: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم