وخلقت الملائكة خلقة الاستقلال عن الأعمال التي يحتاج إليها الآدميون من التسكع للقوام واللذات والحاجات. ربطوا بأعمال بين حملة للعرش، وقبض لأرواح الخلق، وكيل لماء السحاب، وتسليطًا على بلاد مسخوطة بأنواع العذاب، وحفظًا لأعمال المكلفين، وكتبة للأقدار، وهابطين بالوحي، وخزنة || للجنان، وزبانية للنيران. فمتى خلق جوادًا أو حيوانًا للعطلة حتى تكون العطلة فضيلة؟ والله ما سمت العرب المائدة إلا بالطعام، ولا الرمح إلا بالسنان، ولا الكأس إلا بالشراب؛ وإلا فالمائدة المعطلة خوان، والرمح بلا سنان قناة، والكأس بلا شراب زجاجة. فافهم ذلك والسلام. ولا يحملك حب الراحة لأجل رذيلة الكسل على تفضيل التعطل على الأكساب والعمل. فإنك لا تجد لذلك شبهة، فضلًا عن حجة.
اعترض على هذه الجملة آخر، فقال: والله ما الأعمال في العمال إلا امتهان وابتذال. وما العامل حال عمله أو استعماله إلا بمثابة هذه الآلات من الرحى والجاون والمنجل والفأس والسيف، وما شاكل ذلك من أدوات الأعمال. والإجمام للأنفس عن الابتذال أفضل. وإنما فضلت الصناعة في حق القديم سح لأنه سح فاعل لا ينفعل ولا يبتذل. وإلى ذلك أشار سح بقوله: {وما مسنا من لغوب}. فأما من كانت الأعمال تنهكه والأفعال تحلله وتهدمه فأي فضل له في الأعمال؟ وإنما المنافع لغيره به. ولذلك لما كانت الجنة أكمل، قال سح: {لا يمسهم فيها نصب}. وإنما مدحت الأعمال لمكان الحاجات؛ والغناء أفضل. ولذلك