149 - ذكر بعض أهل العلم أن تعاليل القائسين للأحكام والمعللين للأفعال أفسدت من الشريعة أكثر مما أصلحت، ونبهت العقول على ما لم تكن به شعرت. ولم يك في القياس والتعليل ما يرضي العقول من هذه || الإقناعيات التي قامت بإزائها اعتراضات الأوائل وجدل المتكلمين.
قال له قائل: فما الحيلة في ذلك؟
قال حنبلي: يكفي أن يكون الإنسان مستطرحًا على باب التسليم للحكيم الأزلي - جلت عظمته - بلا اعتراض يحوج إلى الاعتلال.
قال له العالم: يا هذا! تطلبون من الناس الإمساك عما لم يستطع الأنبياء الإمساك عنه! أليس هذا الكليم يقول لعالم قد اعلمه الباري أنه آتاه علمًا من لدنه: {أخرقتها لتغرق أهلها}، {أقتلت نفسًا زاكية بغير نفس}. ليس في العقول أن تصبر عن الاعتراض وهي معايير التحسين والتقبيح. والباري سح لم يقل له ((ليس لك هذا، ولا جواب لاعتراضك)) بل عدل إلى إجابته بمثل ما نطق به العلماء من التعاليل الإقناعية التي لا ترضي هؤلاء الذين زعمت أنهم يعترضون. فإنا إذا قلنا لهم: ((كسر السفينة لئلا تؤخذ في الصخرة))، و ((قتل الغلام لئلا يبلغ فيكفر ويكفر أهله))، تضاحكوا بهذه التعاليل، وأخلدوا إلى التعطيل، وقالوا: ((أليس كان في سعة القدرة منع الفساد بغير فساد؟ فما بال هذا العلاج بالإفساد؟ )) ومعلوم أن الله سح قنع به بيانًا لحكمة الكسر والقتل؛