وفي هذا البيت أنه قال: الذي كنتَ مرَّةً سمعنا به، فحمل بعضَ الصِّلة على الخطاب، وبعضه على الغيبة.
ويدلُّ على أنَّ الأصلَ عندهم، في أنا الذي فعلتُ: أنا الذي فعل، أنَّ قولهم: أنا
الذي فعلتُ، محمولٌ على المعنى، والمرادُ في الأصل: فعلَ، إلاَّ أنه لمَّا كان الضميرُ الذي في فعلتُ، محمولٌ على المعنى، والمرادُ في الأصل: فعل، إلاّ أنه لمّا كان الضميرُ الذي في فعلتُ، هو الذي في المعنى، كما أنَّ ضميرَ الغيبة هو هو في المعنى، وكلاهما المخاطبُ، اتَّسعَ، فوضعَ لفظَ المتكلِّم موضع لفظِ الغيبة.
وأنشد أبو عبيدة، البيتَ على غير إنشاد البغداديين، فأنشد:
أأنت الذي قال الذي قيل والذي ... بعيرك هذا الأرحبيُّ المعلَّفُ
فعلى هذا الإنشاد أيضاً، بعضُ الصِّلة على اللَّفظ، وبعضه على المعنى، ومثل ذلك في كونها على الوجهين، ما أنشده أبو زيدٍ وأبو عبيدة:
نحن الذين صبَّحوا صباحا ... فلم ندعْ لسارحٍ مراحا
فأمَّا قولُ الآخر، أنشده أبو عبيدة:
أنا الذي انتشلتها انتشالا ... ثمّ دعوتُ فتيةً أزوالا