وضيق ذات اليد، فيقول على لسان الواقدي: (ثم إن الدهر أعضّنا، فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك، وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تسير إليه حيث استقرت به الدار، فرحلت من المدينة) [1] ، وحين وصل إلى بغداد وجد أن الخليفة والحاشية قد ذهبوا إلى الرقة بالشام، فتوجه نحو الشام ولحق بهم هناك، وحين لقي يحيى البرمكي أكرمه وأغدق عليه عطاياه، كما أغدق الرشيد عليه عطاياه أيضا، وعن ذلك يقول الواقدي: (صار إليّ من السلطان ستمائة ألف درهم، ما وجبت علي فيها الزكاة [2] ، ثم يعود إلى بغداد وكانت مكانة الواقدي لدى الخليفة هارون الرشيد طيبة عالية مرموقة، لذلك فقد ولّاه القضاء بشرقي بغداد كما يذكر ياقوت الحموي [3] .

وفي عهد المأمون ترتفع مكانة الواقدي، فحين يعود المأمون من خراسان يعينه قاضيا لعسكر المهدي في الجانب الشرقي من بغداد [4] ، ونقل ابن خلكان عن ابن قتيبة أن الواقدي كان قاضيا في الجانب الغربي، ثم صححه اعتمادا على قول السمعاني أنه قاض بالجانب الشرقي [5] .

وقد لقي الواقدي من المأمون الرعاية والإكرام، كتب الواقدي إليه مرة يشكو من ضائقة لحقته وركبه دين بسببها وعين مقداره في قصة، فوقع المأمون في كتابه بخطه: (فيك خلتان سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذير مالك، والحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك، فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال للزبير: «يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثَّر كثَّر له،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015