قَالَ: فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ خَالِدٍ إِلَى مَرَازِبَةِ الفرس، جزعوا لذلك ولم يجيبوه [44 أ] بِشَيْءٍ، وَجَعَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَبْعَثُ السَّرَايَا فَتُغِيرُ عَلَى مَا أَصَابَ/ لَهُمْ مِنْ كُرَاعٍ وَمَالٍ.

قَالَ: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى بَرَزَ عَلَى الْحَيْرَةِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ حُصُونٌ وَثِيقَةٌ وَرِجَالٌ جُلْدٌ مِنَ الْفُرْسِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا نَزَلُوا عَلَيْهِمْ جَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالنُّشَّابِ، وَيَرْجُمُونَهُ بِحِجَارَةٍ، فَغَضِبَ خالد مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ يَعْجَلَ عَلَيْهِمْ [1] بِالْحَرْبِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ الأَسَدِيُّ [2] : أَيُّهَا الأَمِيرُ، لا تَعْجَلْ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ لا عُقُولَ لَهُمْ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ مَكِيدَةٌ أَكْثَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ رَمْيِ النُّشَّابِ وَالْحِجَارَةِ، وَلَكِنِ ابْعَثْ إِلَيْهِمْ وَأْمُرْهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَيْكَ، وَمُرْهُمْ بِمَا تُرِيدُ مِنْهُمْ.

قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ أَنْ يَبْعَثُوا رَجُلا مِنْهُمْ لَهُ عَقْلٌ وَرَأْيٌ وَفَهْمٌ، يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَمَا يُقَالُ لَهُ، حَتَّى أُكَلِّمَهُ، وَلَعَلِّي أَنْ أُصَالِحَكُمْ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ رَجُلا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ بَلْقَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثِ بْنِ بَقِيلَةَ الْغَسَّانِيُّ [3] ، فَقَالُوا إِلَيْهِ: سِرْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَانْظُرْ مَا يُرِيدُ مِنَّا، فَإِنْ قَدِرْتَ عَلَى صُلْحِهِ فَصَالِحْهُ عَنَّا.

قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ له نيّف على مائتي سنة، حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015