يستقر قرارها ما لم تعبر. وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله: «لا يقصها إلا على وادًّ أو ذي رأي» الوادّ لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب وإن لم يكن عالمًا بالتعبير لم يعجل لك بما يغمك. لا أن تعبيره يزيلها عما جعلها الله عليه، وأما ذو الرأي فمعناه ذو العلم بتعبيرها فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلم منها، ولعله أن يكون في تفسيره موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه أو تكون فيها بشرى فتشكر الله على النعمة فيها. انتهى.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي إن كانت – أي الرؤيا – بشرى أو شككت فيها فلا تحدث بها إلا عالمًا ناصحًا. العالم يعبرها له على الخير إذا أمكنه والناصح يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه. وروي في آخر: «ولا تحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا». أما الحبيب فإذا عرف قال وإن جهل سكت، وأما اللبيب وهو العاقل العارف بتأويلها فإنه ينبئك بما تُعَوَّل عليه فيها وإن ساءته سكت عنك وتركها. انتهى.
وذكر البغوي في "شرح السنة" عن الإمام – وهو شيخه القاضي حسين بن محمد – أنه قال في قوله: «إذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به»، وفي حديث أبي قتادة: «فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب» فيه إرشاد المستعبر لموضع رؤياه فإن رأى ما يكره فلا يحدث به حتى لا يستقبله في تفسيرها ما يزاد به همًّا، وإن رأى ما يحبه فلا يحدث به إلا من يحبه لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره حسدًا على غير وجهه فيغمه أو يكيده بأمركما أخبر الله سبحانه وتعالى عن يعقوب عليه السلام حين قص عليه يوسف عليه السلام رؤياه: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5]. انتهى.
وذكر ابن حجر في "فتح الباري" في الكلام على قوله: «فلا يحدث بها إلا من يحب» أن الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد تقع على تلك الصفة أو يتعجل