كتاب الرؤيا (صفحة 122)

وقد ذكرت في الفصل الذي قبل هذا الفصل حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البيهقي في "دلائل النبوة" وفيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أنه يسقي غنمًا سودًا وعفرًا، وأن أبا بكر رضي الله عنه نزع ذنوبًا أو ذنوبين وأن عمر رضي الله عنه أخذ الدلو فأروى الناس، وإنما ذكرته هناك لما فيه من تأويل الغنم السود بأنهم العرب، وتأويل الغنم العفر بالأعاجم. وأما ما جاء فيه من النزع بالدلو فلم يأت فيه تأويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك ما ذكرته في هذا الفصل من حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنهم في النزع بالدلو لم يأت فيه تأويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتأويله ظاهر من قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله تعالى وجهاد المشركين وبذل النصيحة للأمة وتعليمهم أمور دينهم وما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم وغير ذلك من الأمور العظيمة والمصالح العامة التي قام بها - صلى الله عليه وسلم - أتم القيام، ثم قام أبو بكر الصديق بما كان يتولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمور المسلمين أتم القيام وحارب أهل الردة حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، ثم بعث الجيوش إلى الفرس والروم وحصل في زمانه عدة انتصارات عليهم، ثم كانت خاتمة أعماله الجليلة أَنْ عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانت ولاية عمر رضي الله عنه حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه، وكانت مدة ولاية أبي بكر رضي الله عنه سنتين وشهرين تقريبًا فكانت مطابقة لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه أنه نزل بالدلو ذنوبًا أو ذنوبين. ثم قام عمر رضي الله عنه بعده بأمور المسلمين أكثر من عشر سنين ففتح الله له الفتوح الكثيرة بالشام والعراق وخراسان ومصر وغيرها من الأمصار وأذل الله به أمم الكفر، ودوَّنَ الدواوين وقام بتدبير أمور المسلمين أتم القيام وكان مضرب المثل في العدل والحزم وحسن السيرة. فكانت أعماله في ولايته مطابقة لما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه من قوة نزعه للماء وإرواء الناس حتى ضربوا بعطن، وقد روى البيهقي في "دلائل النبوة" بإسناد صحيح عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي. وقوله: «وفي نزعه ضعف» قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته. انتهى.

وقال النووي في "شرح مسلم": ومعنى ضرب الناس بعطن، أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015