ولقد شاهدت خلقا كثيرا لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر. ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بحكاية الحوادث عن السلاطين والغلاء والرخص إلى غير ذلك، فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك، (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (?). نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه.
وقد كان القدماء - يعنى السلف - يحذرون من تضييع الزمان، قال الفضيل بن عياض: أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة. ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك؟ فقال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم! وجاء عابد إلى السري السقطي، فرأى عنده جماعة، فقال: صرت مناخ البطالين! ثم مضى ولم يجلس. ومتى لان المزور طمع فيه الزائر فأطال الجلوس، فلم يسلم من أذى. وقد كان جماعة قعدوا عند معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام؟!
وكان جماعة من السلف يحفظون اللحظات، وكان داود الطائي يستف الفتيت، ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين