في ثلث البطن خير من الأكل ملأه لأنه شرّ، وما نقص من الشر فهو خير، وفي الخبر: ما شيء أبغض إلى الله من بطن مليء ولو من حلال.
وقد جاء في الخبر: لا يعذّب الله عبداً جعل رزقه في الدنيا قوتاً، وفي قوله تعالى: (وَرِزقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقى) طه: 131 قيل: يوم بيوم، وقيل: القناعة، وقد كان المسلمون يتورّعون عن الشبهات في وقت العدل، ومع وجود الفضل، حدثونا: أنّ الفضل بن عياض وابن عيينة وابن المبارك رضي الله عنهم، اجتمعوا عند وهيب بن الورد بمكة، فذكروا الرطب فقال وهيب: هو أحبّ الطعام إليّ إلاّ أني لا آكله، قيل: ولِمَ؟ قال: لأنه قد اختلط رطب مكة بهذه البساتين التي اشتروها هؤلاء، يعني زبيدة وأشباهها، فقال له ابن المبارك: رحمك الله إنْ نظرت إلى مثل هذا، ضاق عليك الخبز، فقال: وما سببه؟ قال: نظرت في أصول الضياع بمصر فإذا هي قد اختلطت بالصوافي، قال: فغشي على وهيب، فقال له سفيان: ما أردت بهذا؟ قتلت الرجل، قال ابن المبارك: والله ما أردت إلاّ أنّ أهوّن عليه، قال: فلما أفاق وهيب قال لله عليّ أنْ لا آكل خبزاً أبداً حتى ألقاه، قال: فكان يشرب اللبن، قال: فأتته أمه بلبن فقال: من أين لك هذا؟ قالت من شاة بني فلان، قال: ومن أين لهم ثمنها؟ قالت: من كذا وكذا، فرضيه، فلا أدناه من فيه، قال: قد بقي شيء فأين ترعى هذه الشاة؟ فسكتت، فقال: لتخبريني، فإذا هي ترعى مع غنم لابن عبد الصمد الهاشمي أمير مكة في الحي، فقال: هذا اللبن للمسلمين، فيه حق لا يحل لي أنْ أشربه دونهم، وهم شركائي فيه، فقالت له أمه: اشربه فإن الله يغفر لك، فقال: ما أحبّ أني شربته وأنه غفر لي، قالت: ولِمَ؟ قال: أكره أنْ أنال مغفرته بمعصية، وقد كان لطاووس اليماني بضاعة يتجر له فيها من التمر، فاشترى مضاربه ببضاعة أديماً من بعض أولياء السلطان وكتب إليه بذلك، وكتب إليه طاووس: أفسدت علينا مالنا، ما أحبّ أن أتلبس بشيء منه فبع الأديم باليمن، وتصدق بثمنه، ولا تدخل منه إلى الحرم درهماً واحداً، وأنا أستغفر الله من طعمة الفقراء، وأرجو أنْ أنجو كفافاً لا عليّ ولا لي، فيقال: إنّ ذلك كان سبب فقره ولم يكن له مال غيره، فبقي بغير معلوم من دنيا، وكان خالد القشيري لما ولّي مكة بعد ابن الزبير أجرى نهراً في طريق أهل اليمن إلى مكة، فكان طاووس ووهب بن منبه اليمانيان رضي اللّّه عنهما إ ذا مرّا عليه لم يتركا دوابهما أنْ تشرب منه، وقد كان سهل رحمه الله يقول: رجل بات في قرية جائعاً قام إلى الغداة لم يقدر أنْ يصلّي من الجوع، أعطاه الله في منزله جميع صلاة المصلّين القائمين في قريته، قيل: وكيف ذلك، قال: طلب الحلال، فلم يجده فكره أنْ يدخل جوفه حراماً فبات طاوياً فله أجر المصلين القائمين في تلك الليلة وهو سليمان التيمي رحمه الله ترك أكل الحنطة، فقيل له في ذلك، فقال: إنها تطحن في هذا الأرحى، فقال: المسلمون شركاء في الماء