وعليه الصدق في القول والنصح في معاملة إخوانه المسلمين لأجل الدين، ويعتقد سلامة الناس منه نصحًا لهم ورحمة بهم ويعمل في ذلك ويكون أبدًا مقدمًا للدين والتقوى في كل شيء، فإن انتظمت دنياه بعد ذلك حمد الله وكان ذلك ربحًا ورجحانًا، وإن تكدرت لذلك دنياه وتعذّرت لأجل الدين والتقوى أحواله في أمور الدنيا كان قد أحرز دينه وربحه، وحفظ رأس ماله من تقواه، وسلم له، فهو المعول عليه والحاصل له، إلاّ أنّ من ربح من الدنيا مثل المال وخسر عشر الدين فما ربحت تجارته ولا هدى سبيله وهو عند الله من الخاسرين، وقال بعض السلف: أولى الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل، وأحوج شيء إليه في العاجل أحمده عاقبة في الآجل، وكذلك قال معاذ بن جبل: رضي الله عنه في وصيته أنه لا بدّ لك من نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنه سيمّر على نصيبك من الدنيا فينظمه لك انتظاماً ويزول معك حيثما زلت.
قد قال الله تعالى: (ولا تَنْسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) القصص: 77، لا تترك نصيبك في الدنيا من الدنيا للآخرة، لأنك من ههنا تكتسب الحسنات فتكون هناك في مقام المحسنين، ففي الخطاب مضمر لدليل الكلام عليه في قوله تعالى: (وَأَحْسِنْ كما أَحْسَنَ الله إليْكَ ولا تَبْغِ الفَسَادَ في الأرضِ) القصص: 77، وقد قال بعض العلماء: من دخل السوق ليشتري ويبيع فكان درهمه أحبّ إليه من درهم أخيه لم ينصح المسلمين في المعاملة، وقال عالم آخر: مَنْ باع أخاه شيئًا بدرهم وهو يصلح له بخمسة دوانيق فإنه لم يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه حتى لا يبيع أخاه شيئاً بدرهم إلاّ وهو يصلح له اشتراؤه به، فينبغي لهذا المتصرف أن يستوي في قلبه درهمه ودرهم أخيه ورحله ورحل أخيه، ليعدل فيما يبيعه أو يشتري منه سواء بسواء، ويكون مراعيًا لموافقة حكم الله تعالى الذي ورد به الشرع في الشراء والبيع، مراعياً للسبب الذي يصل به الدرهم أن يكون السبب معروفاً في العلم، مباحاً في الحكم، فيكون متورّعاً في عين الدرهم المعتاض، لا يكون من خيانة أو سرقة أو فساد أو غصب أو غيلة أو حيلة، فهذه وجوه الحرام التي تحرم بها المكاسب المباحة، فإذا كان متجنباً لهذه المعاني لم يشهد أحدها بعينه أو لم يعلمه من عدل فكسبه حينئذ من شبهة، ولا يكون مع ذلك حلالاً لإمكان دخول أمر هذه الأسباب فيه، ولأنه على غير يقين معاينة منه لصحة أصله وأصل أصله لقلّة المتقين وذهاب الورعين إلاّ أنه شبهة الحلال.
وفي الخبر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بلبن فقال: من أين لكم هذا؟ فقيل له: من شاة كذا، فقال: ومن أين لكم هذه الشاة؟ فقيل: من وضع كذا، فشرب منه ثم قال: إنّا معاشر