في البعض كان بعض الاتفاق وبعض الاختلاف فيوجد من الائتلاف بمقدار ما وجد من التعارف، ويوجد من الإختلاف نحو ما فقد من الاتفاق، وهذا هو تناكر الأرواح لتباعد نشأتها وتشامها في الهواء، وذلك الأو ل هو تعارف الأرواح بقرب التشام باجتماع الأوصاف.
حدثت عن يعقوب ابن أخي معروف رحمهما الله قال: جاء الأسود بن سالم إلى عمي معروف، وكان مؤاخياً له فقال: إنّ بشر بن الحارث رحمه الله يحب مؤاخاتك، وهو يستحي أنْ يشافهك بذلك، وقد أرسلني إليك يسألك أنْ تعقد له فيما بينك وبينه أخوّة يحتسبها ويعتد بها، إلاّ أنه يشترط فيها شروطاً لا يحب أنْ يشتهر بذلك، ولا يكون بينك وبينه مزاورة ولا ملاقاة، فإنه يكره كثرة الالتقاء، فقال معروف رحمه الله: أما أنا، فلو أحببت واحداً لم أحب أنْ أفارقه ليلاً ولا نهاراً، ولزرته في كل وقت ولآثرته على نفسي في كل حال، ثم ذكر من فضل الأخوة والحب في الله عزّ وجلّ أحاديث كثيرة، ثم قال فيها وقد آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عليّ عليه السلام، فشاركه في العلم وقاسمه في البدن وأنكحه أفضل بناته وأحبهن إليه، وخصه بذلك لمؤاخاته: وإني أشهدك أني قد عقدت له أخوّ ة بيني وبينه وأعتقده أخاً في الله عزّ وجلّ لرسالته ولمسألتك، على أنْ لا يزورني إنْ كره ذلك ولكني أزوره متى أحببت، وآمره بلقائي في مواضع نلتقي فيها، وآمره أنْ لا يخفي علي شيئاً من شأنه، وأنْ يطلعني على جميع أحواله، قال: فأنصرف بذلك أسود بن سالم فأخبر به بشراً، فرضي بذلك وسرّبه، فهذا أسود بن سالم أحد عقلاء الناس وفضلائهم، فكان فيه اتساع للأصحاب وصبر عليهم، وهو الذي أشار معروف به على الرجل الذي سأله مستشيراً فقال: يا أبا محفوظ، هذان الرجلان إماما هذا البلد، فأشر علي أيهما أصحب، فإني أريد أنْ أتأدب به أحمد بن حنبل أو بشر بن الحارث رضي الله عنهما قال له معروف: لا تصحب أحدهما، فإن أحمد صاحب حديث، وفي الحديث: اشتغال بالناس فإن صحبته ذهب ما تجد في قلبك من حلاوة الذكر وحب الخلوة، وأما بشر فلا يتفرغ لك ولا يقبل عليك شغلاً بحاله، ولكن اصحب أسود بن سالم، فإنه يصلح لك ويقبل عليك، ففعل الرجل ذلك فانتفع به وإنما ضمه معروف رضي الله عنه إلى الأسود دونهما، لأنه كان أليق بحاله وأشبه بوصفه، وكذلك روينا في حديث المؤاخاة الذي آخى فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصحابه، فآخى بين إثنين شكلين في العلم والحال آخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن، وهما نظيران، وآخى بين سلمان وأبي الدرداء وهما شكلان في العلم والزهد، وآخى بين عمار وسعد وكانا نظيرين، وآخى بين عليّ وبينه رضي الله عنهم أجمعين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين، وهذا من أعلى فضائله لأن علمه من علمه، وحاله من