الفصل الثاني والأربعون
كتاب حكم المسافر والمقاصد في الأسفار
فإن سنح لهذا المريد سفر ففي الحديث: البلاد بلاد الله عزّ وجلّ والخلق عباده، فحيث ما وجدت رزقاً فأقم واحمد الله عزّ وجلّ، والخبر المشهور: سافروا تغنموا، فغنيمة أبناء الآخرة ريح تجارة الآخرة، وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (أَلمْ تَكُنَ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فيهَا) النساء: 97، وقال عزّ وجلّ: (قُلْ سِيرُوا في الأرْضِ فَانْظَرُوا) العنكبوت: 20 وقال تعالى: (وَفي الأرْضِ آيَاتٌ للمُوقِنينَ) الذاريات: 20 وقال جلّ وعلا: (وَفي أَنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ) الذاريات: 21، فمن جعلت آياته في نفسه تبصر ففطن، ومن جعلت له الآيات في الآفاق سرب وسري، وكذلك قال الله عزّ وجلّ: (وَإنَّكُمْ لَتَمُروُّنَ عَلَيْهِمْ مُصبْحِينَ وَبالَّليْلِ أَفلا تَعْقِلُونَ) الصافات: 137 - 138 ومثله: (وَكأَيِّنْ مِنْ آيَة فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعرِضُونَ) يوسف: 105 فمن سار فكانت له بصيرة اعتبر وعقل، ومن مرّ على الآيات فنظر إليها منها تذكر وأقبل، ومن أمر الله عزّ وجلّ بالمشي في مناكب بساطه والأكل من رزقه بعد إظهار نعمته بتذليل مهاده فقال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الملك: 15، قيل: في أسواقها، وقيل: قراها، وقيل: جبالها، وهو أحبّ إلى أحداب الأرض قراها ومناكبها جبالها لأنها أعاليها، وكان بشر الحافي يقول: يا معشر القراء سيحوا تطيبوا فإن الماء إذا كثر مقامه في موضع تغيّر، وقيل: إنما سمي سفراً لأنه يسفر عن أخلاق النفس، وأيضاً يسفر عن آيات الله سبحانه وقدره وحكمه في أرضه، فإذا عزم على السفر فليصلّ ركعتي الاستخارة وليعقد التوكّل على الله عزّ وجلّ، فكفى ناظراً وساكناً إليه تبارك وتعالى واثقاً به ومعتمداً عليه مستوراً حاله راضياً عنه عزّ وجلّ في تقلّبه ومثواه، ولينو في سفره الاعتبار بالآثار والنظر إلى الآيات بالاستبصار والابتغاء من فضل الله سبحانه فيما ندبه إليه من الأسباب، ويقال: إنّ الله تبارك وتعالى وكّل بالمسافرين ملائكة ينظرون إلى مقاصدهم فيعطي كل واحد على نحو نيته، فمن كانت نيته طلب الدنيا أعطي منها ونقص من آخرته أضعافه وفرق عليه همه وكثر بالحرص والرغبة شغله، ومن كانت