اللحم يقتل السباع في البرية، قال: ثم قال أبو جعفر: قالت جارية لنا: كان لنا ظبي فمرّ بعجين قد هيّئ فأكل منه حتى حبط؛ والحبط انتفاخ الجنينين فسلخ فوجد قد شرق بالدم، فقال يونس الطبيب: هكذا يصيب الإنسان إذا بشم يشرق قلبه بدمه، وقال الأصمعي عن جعفر والي البصرة إنه قال لأنسان أكول يقيء إذا أكل: لا تفعل، فإن المعدة تضغن إلى القيء كما تضغن الدابة العلف ولا ينضج الطعام؛ معنى تضغن أي تألف وتعتاد، وقال بعضهم: سئل يتاذوق عن البخر فقال، دواؤه الزبيب يعجن بالشعير، ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثاً، وقال الأطباء: معرفة خفّة الماء أن يكون سريع الغليان سريع البرد، ويكون قبالة الشمس مجراه على الشمال ومروره على الطين الأحمر وعلى الرمل، ذكر أبو طالب أنّ هذا آخر الزيادة من الأقوال، وروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أكرموا الخبز فإن الله قد أنزله من السماء، فمن بركات الخبز أنه لا ينتظر به أدام وىؤكل مع ما حضر معه من الملح والخلّ والبقل وغيره، وأنْ لا يجعل تحت شيء من آلة المائدة ولا تحت غضارة، مثل أن يسند به شيء ولا يتّخذ طبقاً لشيء، فإن وضع عليه ما يؤكل فلا بأس، ومن السنّة والأدب أن لا ينتظر بالطعام غائب إذا حضر جماعة، ولكن يأكل من حضر؛ فإن حرمة الحاضر مع حضور الطعام أوجب من انتظار الغائب إلا أن يكون الغائب فقيراً فلا بأس أن ينتظر ليرفع من شأنه ولئلا ينكسر قلبه، وإن كان الغائب غنياً لم ينتظر مع حضور الفقراء فإن انتظار الغني معصية لما روى أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: شرّ الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء، فسمي الطعام شريراً لأجل الأغنياء، والطعام لا تعبد عليه، وإنما الشر اسم لأهل الطعام الداعين الأغنياء عليه التاركين للفقراء، فأما طعام المآتم فهو على ضربين؛ نوع منه يصنعه أهل الميت للنوائح والبواكي ومن يينيهم على الجزع، فإن أكل هذا مكروه منهيّ عنه، ونوع يحمل إليهم لشغلهم عن أنفسهم وإصلاح طعامهم بميتهم؛ فهذا لا بأس به وبحمله إليهم، ويجوز الأكل منه إن أطعموه غيرهم لأنه من البرّ والمعروف إن لم يرد به النوائح ولا المجالسسة على القبور للجزع والأسى.
وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب: إنّ آل جعفر شغلوا بميتهم عن صنيع طعامهم فاحملوا إليهم ما يأكلون؛ فهذا سنّة في حمل الطعام إلى أهل الميت، ومن دعي إلى طعام وكان في بيت الداعي إحدى خمس خصال فلا يجبب دعوته ولا حرج في ترك إجابته إن كانت مائدته يشرب بعدها مسكر، وإن لم يعاينه في الحال، أو كان في الأثاث فراش حرير، أو ديباج، أو كان في الآنية ذهب، أو فضة، أو كان متخذ الحيطان مستراً بالثياب كما تستّر الكعبة، أو كان صورة ذات روح في