الطعام والوزر عليه، روي ذلك عن أبي الدرداء قال لإنسان كان يأكل معه فأعطى سائلا بغير أمره: لقد كنت غنياً أن يكن الأجر لي والوزر عليك، ومثله لا يدعو إلى طعام غيره أحداً بغير إذن صاحبه ومن دعا خصوص إخوانه فدخل عليه داخل فلا يقعده معهم للأكل وليصرفه أو يفرده عنهم.
حدثني بعض أشياخنا عن بعض الخلف الصالح أنه دعا إخوانه من الصوفية على طعام فدخل رجل من العامة فجلس يأكل معهم فقبض على يده ونحاه وقال: هذا عملناه لهؤلاء خاصة لا يصلح أن يكون معهم غيرهم، ثم أفرده بطعام خصّه به وعمله لأجله عوضاً مما فعل ومن دخل عليه داخل وهو يأكل فلا يرفع الطعام فليس ذلك من السنّة ولا من فعل المروءة ولعل الداخل أحوج إليه منه وقد بعث إليه اختباراً له، وإذا عرضت على أخيك الطعام مرة أو مرتين فلا تلحن عليه، وكذلك إذا دعوته فكره فقد قالوا لا تكرم أخاك بما يشقّ عليه ولا تزيدن على ثلاث مرات فإن إلالحاح واللجاج مازاد على ثلاث مرات وليس ذلك من الأدب، قالوا: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خوطب في شيء ثلاثاً لم يراجع بعد ثلاث.
وكان الحسن بن عليّ رضي الله عنهما يقول: الطعام أهون من أن يحلف عليه، وقال مرة: من أنْ يدعى إليه ذلك لعظيم حق، وكان الثوري يقول: إذا زارك أخوك فلا تقل له تأكل أو أقدم إليك ولكن قدّم ما عندك، فإن أكل وإلا فارفعه، وكان الحسن وابن المبارك إذا أرادا الغداء أو العشاء فتحابا بهما فمن دخل عرضاً عليه الأكل، وقد كان هذا من سيرة السلف أنهم يفتحون الباب عند حضور الطعام ومن صادف دخوله أكل معهم، ومنهم من كان يقعد في دهليز داره ويفتح الباب فكل من مرّ عليه في الطريق دعاه إلى طعامه من غني أو فقير، وقال بعض التابعين: إلاّ إنّ خياركم آكلكم في الأفنية وأوسعكم آنية وأحلاكم أطلية إلاّ إنّ شراركم آكلكم في الأخبية وأصغركم أطلية، ومن دعا رجلاً إلى طعامه وهويعلم أنّ الأحبّ إليه أن لا يأكل فمكروه له أن يأكل ولا يعبأ بقوله إذا علم منه خلافه، فإن لم يعلم حقيقة ذلك فله أن يجيبه على ظاهر قوله وليس له أن يسيء الظن به، دعا رجل الأحنف بن قيس في سفر إلى طعامه فقال له الأحنف: لعلك من العارضين، قال: وما العارضون؟ قال: الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فسكت الرجل فلم يجبه الأحنف إلى الطعام، وكان الثوري يمشي مع رجل فمّر بباب منزله فعرض عليه الدخول ليأكل عنده فقال له الثوري: أصدقني عن شيء أسألك: أيما أحبّ إليك أدخل أو أنصرف؟ فسكت، فانصرف الثوري، ومن علم من أخيه أنه يحبّ أن يأكل من طعامه فلا بأس أن يأكل بغير إذن لأن علمه بحقيقة حاله ينوب عن إذنه له في الأكل.
وقد كان محمد بن واسع وأصحابه يدخلون منزل الحسن فيأكلون مايجدون بغير إذن، وكان الحسن ربما دخل فيجدهم كذلك فيسرّ ويقول هكذا كنا، وروي عنه أنه كان يأكل