كما روي أنّ عابداً من بني إسرائيل عبد اللّّه تعالى في سرب أربعين سنة، فكانت الملائكة ترفع عمله في السماء فلا يقبل، فقالت: ربنا وعزتك ما رفعنا إليك إلاّ حقّاً فقال عزّ وجلّ: صدقتم ملائكتي ولكنه يحبّ أن يعرف مكانه، فلذلك قال بعض السلف: من نجا من الكبر والرياء وحبّ الشهرة فقد سلم، وقال الثوري: ما عالجت شيئًا أشد عليّ من نيتي لأنها تفلت عليّ يعني تشرد أو تضعف، فتحتاج إلى مداواة لها، كما قال المنصور: المداومة على العمل حتى يخلص أشد من العمل، وقال الثوري: ما أعتد بما ظهر من عملي، وقال عليّ رضي الله تعالى عنه: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لا يقلّ عمل مع تقوى وكيف يقلّ عمل يتقبل؟ وقال بعضهم: من استوحش من الوحدة وأنس بالجماعة لم يسلم من الرياء، وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العلم الصالح فإذا بلغوه وقع عليهم الهمّ أيتقبل منهم أم لا.
وقال مالك بن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل، وقال ابن عجلان: العمل لا يصلح إلاّ بثلاث؛ التقوى لله عزّ وجلّ، والنية الحسنة، والإصابة وقد فسر الفضيل قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) هود: 7، قال: أخلصه وأصوبه قيل: وما ذاك؟ قال: العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وقال التياحي: للعمل أربع خصال لا يتم إلاً بهنّ: معرفة الله عزّ وجلّ، ومعرفة الحق، والإخلاص به والعمل على السنّة، فأي عمل كان قبل هذه الأربع لا ينفع فمنهم من يكون حسن الأداء لفرضه، كثير الندم والإشفاق من معاصيه، فيكون هذا أحسن حالاً، ومنهم من يكون سيء الأداء، قليل الحزن والندم على ذنوبه، فيكون هذا أسوأ حالاً وليس يجدون في ذلك على قياس واحد، والله تغفر لمن يشاء الذنب العظيم ويعذب من يشاء على الذنب الصغير، لما سبق لهما في علمه، ولما نفذ لهما من مشيئته وحكمه، وقد يشترك الإثنان في معصية ويتفاوتان في حكم المشيئة ويتوب الله على من أحبّ ويتقبل ممن يحبّ، والقبول غير العمل، على العبد العمل وإلى المولى القبول، يقبل ممن يحبّ ويرد ما يشاء ممن يشاء، والسابقة غير المعصية؛ السابقة في المشيئة يغفر لمن سبقت له الحسنى جميع معاصيه السوأى ويعذب من حقّت عليه كلمة العذاب ويحبط أعماله الحسنى، والخلق مردودن إلى السابقة ومحكوم عليهم بعلم الله تعالى فيهم، وفي الخبر: هلك المصرون قدمًا إلى النار؛ والإصرار يكون بمعنى أن يعتقد بقلبه متى قدر على الذنب فعله أو لا يعقد الندم عليه ولا