إذا اضطر إليه وابتلى به، وعلم شرّ الشرين فأمعن في الهرب منه واحتجب بحجابين عنه وهذا من دقائق العلوم.
وقد تلتبس النية بالأمنية فتخفي والهمة وبالوسوسة فتشتبه، والنية ما كان يراد به وجه الله عزّ وجلّ ويطلب به ما عنده، والأمنية ما تعلق بالخلق وطلب منه عاجل الحظ من الملك الفاني، وقد تلتبس الإرادة بالمحبة والحاجة بالشهوة؛ فالإرادة أن يريد وقوع الأمر وقد لا يحبّ كونه أو يريد أيضاً وجود ضده، والمحبة ما قهر العقل وغلب الوجد وحلّ في مجامع القلب وكره وجود غيره ولم يرد فقده، والحاجة ما اضطررت إليه، ولم يكن منه بداً ولا يستغني عنه بغيره، والشهوة مزيد لذّة واستدعاء فضل فآفة واجتلاب تقدم عادة، وقد يختلط الذكر بالقلب بالفكر في معاني القرب؛ فالذكر ما أظهر النسيّ وكشف الغيّ وأذكر الشكر، والفكر ما صوّر الأمر وأظهر الخبر، وقد يلتبس الرجاء بالمحبة والهوى بالنية، فالرجاء ما طمعت فيه بسبب ما والمحبة ما تطمعت ذوقه وجدته بغير تسبب تستخرجه وقد يلتبس ذل القلب بضعفه وموته للطمع في الخلق بذل النفس لمشاهدة عز الخالق سبحانه وتعالى، وقد يتداخل ذلّ الطمع لدناءة الهمة والنفس بذل العقل للاعتراف بالحق وخضوع العلم له، وقد يلتبس ذلّ النفس لغلبة الهوى وقهره للعقل بذل القلب لسرعة الانقياد للعالم المحقّ، وقد يختلط عزة القلب بمقلبه بدوام النظر إليه وعزة العقل بعمله الذي كبر عنده، وقد تلتبس عزة النفس بوصفها المتسلّط بعزة الإيمان، المعزز بغيبة اليقين؛ فهذه فروق ظاهرة للعارفين وخروق متسعة ترهب الغافلين، وقد تلتبس العبادة بالعادة مثل أن يكون للعبد نية في علم أو عمل أو صدقة أو نفقة الشهر والسنة ثم تعزب نيته فيبقى على عادته يرب حاله الذي قد عرف به، لا يحبّ أن يخرج من عرف الناس فيتعمل لاستقامة الحال على التكلّف بتلك الأعمال فتذهب النية وتبقى العادة فيخرج بذلك من إرادة الآخرة والسعي لها، ويدخل في إرادة الدنيا بالشهوات على جريان العادة بها، وقد يشهد شهادة الدنيا من طلب الرياسة لوجود الهوى بطرقات الآخرة في معنى العلوم والأعمال فما طلب من أعمال السلف وأريد به تأديب النفس ويعلم به الزهد في الدنيا؛ فهذه طرقات الآخرة، وما كان على ضده فهو طرقات الدنيا؛ إذ هو ضدها، وقالوا: كان الناس إذا علموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، وإذا شغلوا هربوا، وقالوا: تفقه ثم اعتزل، وقد يلتبس إظهار الأعمال وكشف ما كتم من الأحوال لأجل التأديب به والابتاع عليه، أو لاظهار قدرة اللّّه عزّ وجل وآياته لمزيد السامع من المعرفة به بفعل مثل ذلك للتزين والفخر أو للمدح به وطلب الذكر، وسئل أبو سليمان عن الرجل يخبر بالشيء عن