ذكر اتصال الإيمان بالإسلام في المعنى والحكم
وافتراقهما في التفصيل والاسم
وأنّ كل مؤمن مسلم، وتحقيق القول بالعمل، وإبطال مذهب الجهمية والكرامية والحرورية، وبيان مذهب أهل السنّة والجماعة، وفقنا الله تعالى لذلك، قال قائلون: الإيمان هو الإسلام وهذا قد أذهب التفاوت والمقامات، وهذا يقرب من مذهب المرجئة وقال آخرون: إنّ الإسلام غير الإيمان، وهؤلاء قد أدخلوا التضاد والتغاير وهذا قريب من قول الإباضية، فهذه مسألة مشكلة تحتاج إلى شرح وتفصيل، فمثل الإسلام من الإيمان كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم، فشهادة الرسول غير شهادة التوحيد؛ فهما شيئان في الأعيان وإحداهما مرتبطة بالأخرى؛ فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصحّ إسلامه، ولا بدّ للمسلم من إيمان به يحقّ إيمانه، من حيث اشترط الله سبحانه وتعالى للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) الأنبياء: 94، وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: (وَمَنْ يَأتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى) طه: 75، ومن كان ظاهره أعمال الإسلام لا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملّة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب لا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام؛ فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد، ومن كان مؤمناً بالغيب مما أخبر به الرسول عن الله سبحانه عاملاً بما أمر به فهو مؤمن مسلم، ولولا أنه كذلك لكان المؤمن يجوز أن لا يسمى مسلماً، ولجاز أن لا يسمّى كل مسلم مؤمناً بالله تعالى ورسله وكتبه، ومثل الإيمان من الأعمال كمثل القلب من الجسم، لا ينفك أحدهما من الآخر، لا يكون ذو جسم حيّ لا قلب له، ولا ذو قلب لا جسم له؛ فهما سببان منفردان، وفي المعنى والحكم متصلان، ومثلهما أيضاً مثل حبة لها ظاهر وباطن وهي واحدة لا يقال حبتان لتقارب وصفيهما، فكذلك أعمال الإسلام من الإيمان، الإسلام هو ظاهر الإيمان