لقيته الملائكة فقالوا: برجحك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، وجاء في الخبر: أنّ الله تعالى ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض، فأول من ينظر إليه أهل الحرم وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام، فمن رآه طائفاً غفر له، ومن رآه منهم مصلياً غفر له، ومن رآه نائماً مستقبل القبلة غفر له، وذكرت الصلاة بعبادان لأبي تراب النخشي فقال: نومة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة بعبادان، وكوشف بعض الأولياء قال: رأيت الثغور كلها تسجد لعبادان، ورأيت عبادان ساجدة لجدة، لأنها خزانة الحرم، وفرضة أهل المسجد الحرام، وكنت أنا بمكة سنة فأهمني الغلاء بها حتى ضقت ذرعاً به، فرأيت في النوم شخصين بين يديّ، يقول أحدهما للآخر: كل شيء في هذا البلد عزيز كأنه يعني الغلاء، فقال الآخر: الموضع عزيز فكل شيء فيه عزيز، فإن أردت أن ترخص الأشياء عليك فضّحها إلى شرف الموضع حتى ترخص.
كان سفيان الثوري يقول: والله ما أدري أي البلاد أسكن، فقيل له: خراسان، قال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة، قيل: الشام، قال يشار إليك بالأصابع، قيل: فالعراق، قال: بلدة الجبابرة، قيل: مكة، قال: تذيب الكيس والبدن، وقال رجل للثوري: قد عزمت على المجاورة بمكة فأوصني، قال: أوصيك بثلاث؛ لا تصلّين في الصف الأول، ولا تصبحن قرشياً، ولا تظهرن صدقة، إنما كره له الصلاة في الصف الأول لأنه يفتقد فيسأل عنه إذا غاب فيشتهر ويعرف إذا واظب، فيجب أن يرب الحال بلزوم الموضع، فيذهب الإخلاص ويحصل التزيّن والتصنّع، وجاء رجل إلى سفيان بمكة فسأله فقال: أرسل معي رجل بمال فقال: ضعه في سدانة الكعبة، أو قال: في سدنة الكعبة، فما ترى؟ قال سفيان: قد جهل فيما أمرك به، وإنّ الكعبة لغنية عن ذلك، قال: فما ترى؟ قال: أصرفه للفقراء والأرامل، وإياك وبني فلان فإنهم سراق الحاج، وقد كان بعض السلف يكره المجاورة بمكة ويحبّ قصد البيت للحجّ والخروج منه، إما لأجل الشوق إليه أو خشية الخطايا فيه، أو حبّاً للعود، وقد قال الله تعالى: (وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) البقرة: 125، أي يثوبون إليه يعودون مرة بعد مرة ولا يقضون منه وطراً وكان بعضهم يقول تكون في بلد وقلبك مشتاق متعلق بهذا البيت، خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بمقامك أو قلبك متعلّق إلى بلد غيره،