وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذا) الأنفال: 31، (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) يونس: 15.

وقال في نعت الآخرين: (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء: 223، (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء: 212، (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) الأنفال: 21، ثم وصف من أسمعه إياه وأفهمه معناه من الجنّ الذين هم أسد قوة من الأنس وأعظمهم وصفاً فقالوا: (إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً) الجنّ: 1 (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) الجنّ: 2، فهؤلاء ممن عقله فمدحم بفهمه وأخبر عن صاحب التنزيل بمثله فقال: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسخرُونَ) الصافات: 12، أي عجبت من القرآن وتفصيله وتنزيله، ويسخر منه الجاهون، فإن فتح للتالي بالتلاوة عين نفس المتلّو باب الفكر في معاني العظمة والقدرة، وكشف له بواسطة الكلام مشاهدة ما كان علمه من وعد الآخرة وعيدها فله أجران، من حيث كان منه عملان: الفكرة والصلاة، وهذا كله لعموم المؤمنين مزيد، وهو بذلك للخصوص من المقرّبين دون ذلك إلاّ ما وجهوا به من طوالع الغيوب، وأطلعوا عليه من مطالع سرائر المحبوب، فكوشفوا به من بوادي اليقين من العزة والجبروت والإجلال والرهبوت، فأهجم عليهم من غير تفكّر منهم ولا تدّبر مما استعملهم به، واضطرهم إلى مشاهدته، القدير، فأخرس ألسنتهم عن المقال، وعقم عقولهم عن المجال، وأغنى قلوبهم عن الطلب، ولم يوكل إلى فكرهم بنظر إلى سبب، بل من غير تعمّل منهم لتكييفه ولا روية ولا اختيار لماهيته، ثم يجاوزونه إذا أخذ منهم حقه وأدركوا به نصيبهم إلى العالم الأكبر، فيقفون بين يديه ويحطون عنده، ولا يقفون مع المشاهدة طرفة عين، ولا يسكنون إليها خطرة قلب لئلا يقطعهم البيان عن المبين، ولا يشغلهم الخبر عن اليقين، ولا يحجبهم الشهادة عن الشهيد ولا يحسبهم البادئ العائد عن المبدئ المعيد؛ بل قد أشرف بهم على المراد فأسقط عنهم التشرّف وأذهلهم عن الاعتراف والتعريف بما ناداهم به من التعرّف، واقتطعهم العيان فأغناهم عن الانقطاع، وتقطعوا بالمفصل فأنساهم الانتفاع، وتوصّلوا بالموصل فأطلعهم عليه، وكان لهم حاملاً إليه ودليلاً أمامهم منه عليه؛ وهذه صفة الأقوياء بالقوى، الأغنياء بالغنى، الواجدين للموجد، الفاقدين للموجد، الذاكرين بذاكر، الصابرين بصابر ولا ينبغي للمصلي أن يدخل في صلاته حتى يقضي نهمته، ويفرغ من حاجته، ولا يبقى عليه ما يزعج قلبه ويفرّق همّه ليفرغ قلبه في صلاته، ويجتمع همّه في وقوفه، ويصحو عقله لفهمه، ويواطئ قلبه قيله ويقبل على المقبل عليه بمعقوله؛ وهذا يؤمر به القضاء عن مجاهدة الأعداء والمرضى عن مسابقة الأولياء.

وقد روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المؤمن القويّ أحبّ إلى الله تعالى من المؤمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015