الفصل الثالث والثلاثون
ذكر دعائم الإسلام الخمس
التي بني عليها
أول ذكر فرض شهادة التوحيد للمؤمنين
ووصف فضائلها وهي شهادة المقربين وشهادة الرسول
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضلها للموقنين، قال الله تعالى وصدقت أنبياؤه لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَه إلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) محمد: 19، وقال لعباده يأمرهم بمثل ذلك: (فَاعْلَمُوا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وأنْ لا إلهَ إلاَّ هُوَ) هود: 14، ففرض التوحيد هو اعتقاد القلب أنّ الله تعالى واحد لا من عدد، وأول لا ثاني له، موجود لا شكّ فيه وحاضر لا يغيب، وعالم لا يجهل قادر لا يعجز، حي لا يموت قيوم لا يغفل، حليم لا يسفه سميع بصير، ملك لا يزول ملكه قديم بغير وقت، آخر بغير حد كائن لم يزل ولا تزال الكينونة صفته لم يحدثها لنفسه، دائم أبد الأبد لا نهاية لدوامه، والديمومة وصفه غير محدثها لنفسه، لا بداية لكونه ولا أولية لقدمه ولا غاية لأبديته، آخر في أوليته أول في آخريته، وإنّ أسماءه وصفاته وأنواره غير مخلوقة له ولا منفصلة عنه، وإنه إمام كل شيء، ووراء كل شيء، وفوق كل شيء ومع كل شيء، وأقرب إلى كل شيء من نفس الشيء، وإنه مع ذلك غير محل للأشياء، وإن الأشياء ليست محلاً له، وإنه على العرش استوى كيف شاء بلا تكييف ولا تشبيه، وإنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وبكل شيء محيط، الجو وجه والفضاء من ورائه، والهواء وجه والمكان من ورائه، والحول وجه والبعد من ورائه، وهذه كلها حجب مخلوقات من وراء الأرضين والسموات متصلات بالأجرام اللطاف ومنفصلات عن الأجسام الكثاف، وهي أماكن لما شاء داخلة في قوله ومن كل شيء خلقنا زوجين داخلة في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، والله جلّ وعظم شأنه هو ذات منفرد بنفسه، متوحد بأوصافه لا يمتزج ولا يزدوج إلى شيء، بائن من جميع خلقه لا يحل الأجسام ولا تحله الأعراض، ليس في ذاته سواه ولا في سواه من ذاته شيء، ليس في الخق إلا الخلق ولا في الذات إلا الخالق، فتبارك الله أحسن الخالقين، وإنه تعالى ذو أسماء وصفات وقدرة وعظمة وكلام ومشيئة وأنوار، كلها غير مخلوقة ولا محدثة، بل لم