قد لا يكون حبيباً كما تقول فقال في أذني سرًّا لا يخلو: إما أن يكون مؤمناً أو منافقاً، فإن كان مؤمناً فهو حبيب الله عزّ وجلّ، وإن كان منافقاً فهو حبيب إبليس، ومن محبة الهوى إيثار عاجل حظ النفس على آجل ما وعدت به ويقدم محبتها على محبة الله عزّ وجلّ، وهي مطبوعة على محبة الهوى، وكراهة الحق أمارة بالسوء فيما تسرّ كذابة فيما تظهر من الخير، قال الله سبحانه تعالى: (وَعسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أنَ تُحِبُّوا شىْئاً وَهُوَ شرٌّ لَكُمْ) البقرة: 216، فقرن محبتها بالشر وقرن كراهتها بالخير، والعرب تسمي النفس كذبة أي التي يكثر منها الكذب، يصفونها بالمبالغة فيه على معنى قوله: ويل لكل همرة لمزة، أي الذي يكثر همز الناس ولمزهم، وكذلك وصفها الله تعالى بالمبالغة بالأمر بالسوء فقال: أمارة بالسوء أي فعالة، التي يكثر منها الأمر يتكرر مرة بعد مرة، من وصفها الفعل ومن محبة العدو طاعته وموافقته لأن فيها كراهة الله تعالى ومخالفته وهو مجبول على ضد ما يحب الله تعالى، والله تعالى يحب ضد ما جعله عليه وذلك ابتلاء من الله تعالى له، وابتلاء منه به لنا، واعلم أنّ قليل ما أعطاك الله عزّ وجل ّمن الإيمان به وصحة التوحيد له، ويسير ما قسم الله تعالى لك من الإخلاص والصدق وحسن المعاملة، خير لك وأنفع من كثير ما أظهر لك وعرفك، وإنما لك مما رأيته ما طلبته ونلته بيدك، وما ملكته وسلطت عليه من منازلتك، فأما ما لم تطلبه ولم تنله فهو لغيرك، لأنك قد قد ترى السماء ولا تنالها، فهي أرض لمن سخرت له، وترى ما جعل لغيرك فلا ينفعك ولا يغني عنك، وهو نافع مغن لمن سلط عليه فلكه، ومن الناس من يتوهم أنّ الإظهار هبة له، وأنّ ما رآه وعرفه ملكه وحازه وتحقق به، واعلم أنّ ألف خاطر لا يجيء منها حال، وألف حال يكون منها مقام، والمقام إنما هو ما ثبت ودام فمثل الخواطر في ممرها كالسحاب في سيرها، وقيل في المثل: سحابة صيف عن قليل تقشع، ومثل الأحوال في حيلولتها كمثل الأزمنة في أحوالها، في كل سنة أربعة مشتاً ومصيف ومربع وخريف، وإنما الهبة من الله تعالى ما وقر في القلوب من المشاهدات، وما حققته الأعمال من المنازلات، فيورث ذلك علماً خاصياً أو خلقاً مرضاً أو حالاً سنياً أو وصفاً زكياً من أخلاق الصالحين، وسيما المتقين وعلوم العارفين وملاحظات المقربين، ولا يصلح الكلام بهذا العلم إلاّ لمن له مشاهدته منه، إن كان من علوم القدرة والتوحيد أو منازلة لمن كان له من مواريث الأعمال، وعن تنقيل الأحوال وعن زهد في الدنيا، وسعي في طلب الأخرى، إن كان من علم الوعظ والندب إلى الفضل، فذل كله بعد التوبة ومع حالك الاستقامة، وعن كمال علم السنة والجماعة، بعد معرفة بعلم الأصول والسنن من آثار الرسول، وإلا كان متكلّفاً، وفي الدعوى داخلاً إلا أن يحكي شيئاً سمعه فيكون به لقائله محاكياً، ويضف حاله إلى