كما اتخذ إبراهيم خليلاً، فرفع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقام محبوب إلى درجة خليل كما نقل من مقام محبّ إلى حال محبوب، كما زيد بالمحبة في مقام محبوب الصفوة، وقال أيضاً في المقام الأول: إنّ الله عزّ وجلّ اتخذ موسى صفياً واتخذني حبيباً، فأول العطاء هو الصفاء من الهوى ثم المحبة بعد الصفاء، ثم الزيادة بوصف محبوب فوق المحبة، ثم ارتفع فعلا بعد القوّة والاستواء إلى العلي الأعلى، فدنا لما علا فتدلّى حتى دنا فكان قاب قوسين أو أدنى وكانت البلد من ورائه والوجه مواجها لوجهه:
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
إذ من العلوم علم لا ينبغي أن يسأل عنه حتى يبدي العالم ذكره، فهذا منها فلا يبدي إلا بقدر معلوم بمقدار ما أبدى المبدئ، ويعيد منه بقدر ما أعاد المعيد، وكان لديه خليلاً كما كان عنده قريباً، فصارت الخلّة مقاماً في محبوب وهو نهاية المزيد، كما كان مقام محبوب وزيادة على مقام محب كما رفعه إلى المحبة بعد الصفوة من كدر الهوى، وكذلك أنت أيها السامع الشاهد، يجعل لك بعد الصفاء نصيباً من نصيب وشهادة على شهادة، ووجداً من وجد وفقداً للنفس من فقد، فلا يذهب كثير النبوّة منه صغير العطية لك لأنّه تعالى رفع الطائعين له ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً إلى مقام النبّيين والصدّيقين، والصدّيقون باقون إلى نزول الروح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وهم الأبدال عددهم في كل الدنيا ثلاثمائة، وما شاء الله منهم الشهداء والصالحون، فهم ثلاث طبقات وكلهم مقرّبون سابقون، إيمان صدّيق منهم كإيمان جميع الشهداء، وإيمان شهيد كإيمان كل الصالحين، وإيمان كل صالح بمقدار إيمان ألف مؤمن من عموم المسلمين، وليس في الخلّة شريك لغير الخليل على خليله، ولأنها حال مفردة لفرده موحدة لواحد، ولو كان يصلح لها نظير ويوزر بها وزير كان أحق الأمة بذلك الصدّيق، فقد أعطاه تعالى ثلاثاً لم يعطها غيره منها: إنا روينا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: إنّ الله عزّ وجلّ أعطاك مثل إيمان، كل من آمن بي من أمتي، وأعطاني مثل إيمان كل من آمن بي من ولد آدم، والحديث الثاني أنّ لله تعالى ثلاثمائة خلق، من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله، هل فيّ منها خلق واحد؟