بابي الفيض في هذا الطريق، فظهر على ما فيه مما يبهر من رأى انقلاب الأعيان وتبصرة بعظيم العيان، وهذا محجوب عن أوهام القلوب بعقولها، ومستقرّ في جبّ غاية القلوب بأرواحها، فإذا خرجت النفس من الروح فكان روحانيًّا خروج الليل من النهار تنفس المكروب، وإذا خلا العقل عن القلب فكان ربّانيًّا انفرجت الكروب، كما قال العارف:
بحياتي يا حياتي ... لا تبعد قرباتي
أخرج النفس من الرو ... ح وروّح كرباتي
وقد قال أحسن القائلين: (وَلاَيُحِيطُونَ بِشَيءِ مِنْ عِلْمِهِ إلاَ بِما شاءَ) البقرة: 255، والاستثناء واقع على إعطاء الحيطة بشيء من شهادة علمه، بنور ثاقب من وصفه وشعاع لائح من سبحته إذ شاء، وهذا معنى من سرّ التوحيد لا يكشفه إلا عين اليقين، ولا نظهره حتى يظهر لنا منه عارف ما عليه قد أوقف، وما منه به قد كوشف، فحينئذ يقع العين على العين ويضيء الكوكب الدرّي في جوهر مشكاة القلب، وقد كان للشيخ أبي الحسن بن سالم رحمه الله تعالى من هذا الطريق، مشاهدات ومطالعات وسياحات في الغيوب، وجريان في الآخريات، وانقلبت له الأعيان وظهر له العيان، وطوى له المكان ورأى ألف وليّ لله تعالى، وحمل عن كل واحد علماً، ثم انقطع الطريق بعد فقده وعفا الأثر ودرس الخبر، ثم الله تعالى أعلم بما هو صانع بهذا الطريق وأهله، هل ينشئ له أهلاً وينهج له غامضات الطريق طريقاً أم يطويهم في طيّ طريقهم ويخفي طريقهم في خفاء الموج الغامض في غامضات العلم السابق؟ نقول في ذلك كا قال إمام الأئمة علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، بعد إذ ذكر في خطبته قيام الساعة واسقرار أهل الدارين فيهما قال: ثم الله أعلم بما هو صانع بالدنيا بعد ذلك، فهذا من سرّ السرّ الذي أودعه صاحب الأمر، وليس فوق الخلة مقام إلا درجة النبوة، وهو محجوب عن القلوب كحجاب هذا المقام من الخلّة عن قلوب العموم، فهذا لا فوت فيه لأنه درك منه، ولا حزن عليه لأنه لا نصيب عنه، ولكن مقام الخلّة لا يكون إلا مقام محبوب على كل حال.
وما سمعت من أحد من أهل العلم الباطن والمعرفة الثاقبة رسماً من علم الخلّة ولا من وصف محبوبه شيئاً في كتاب الله تعالى، ولا إشاراته إلا نكتاً في الأخبار ولمعاً من الآثار، أعلم أنه كلام محبوب من مقام خلّة، ولكنه مستودع في كتاب الله تعالى المكنون، وغامض من خطابه المصون، ومخبوّ في سرّ آياته عن القلوب والعيون، وكاشف به الساجدين، وأظهر عليه أهل السرّ من العارفين، ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، وقوله تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّمَواتِ وَالأرْض) الفرقان: 6، وقد كان الحسن رحمه الله يروي في الخلّة أخبار، منها أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى بعض أوليائه: إنما أتخذ لخلّتي من لا يفتر عن ذكري ولا يكون له غيري