أنّ أهلي يحتاجون إلى باقة بقل ما تكلمت عليكم، ففي هذا بيان وبرهان لمن لم تستهوه الأهواء في إنكار التكسب على أهل التوكل احتجاجاً لنفسه واعتذاراً من بطالته، ولا يسع العلماء في الدين إلاّ البيان وكشف حقيقة العلم بالبرهان، فالتكسب والأسباب طرق أودعها الله العطاء والأرزاق لا هي تعطى وترزق بمنزلة الأواسط من الأشخاص، فالمتوكل المتسبب موقن أنّ الله سبحانه هو المعطي والمانع، وأنه هو المسبب الرازق، وأنّه هو الأوّل في التصريف والآخر في التقليب، فقلته ناظر إلى القسام، ونفسه ساكنة إلى القسم، وقلبه قانع راضٍ بالمقسوم، وجسمه متحرك في المعلوم الذي وجه فيه وسبب له، وهو عارف بمقامه، وبالمراد منه، راضٍ بحاله وما قد استسعى فيه وألزم إياه، والذي ينقص المتوكل، ويخرجه من حد التوكل، اكتساب الشبهات للاستكثار، أو السعي بالتكسب للجمع والافتخار، أو الحرص على طلب ما حظره العلم عليه أو لطلب ما يكره المنال منه، أو التسخط للأقدار إذا لم تؤاته على ماقدر، أو ترك لنصح لمن عامله بأن يحتال عليه، أو يدبر أو التشرف إلى الخلق أو الطمع في سبب؛ فهذا كله لا يصح معه التوكل، وقد قال بعض العلماء: إن العبد إذا دخل السوق للتكسب فكان درهمه أحب إليه من درهم غيره، لم ينصح للمسلمين في المبايعة، وهذا عنده يخرجه من التوكل ودخول الآفات ومساكنتها، لقصور علم أو غلبة هوى يخرج العبد من التوكل، وهو أن يكون متوكلاً على الناس بأن يطمع فيهم، أو يتصدى لهم بالتعرض والتصنع، أو يكون متوكلاً على صحة جسمه ودوام عوافيه وأنه لا يرزق إلاّ من كدّه، أو يكون متوكلاً على ماله بأن يثق به ويطمئن إليه ويحسب أنه إن افتقر انقطع رزقه، وعلامة ذلك ضنته به وإعداده له؛ عدة لكذا وعدة لكذا، فهذه المعاني تخرج من التوكل، فقد تخفي دقائقها وتدق حقائقها إلاّ على جهابذة العلماء الرابحين في العلم، المتضلعين باليقين، القائمين على الدوام بالشهادة؛ فمن نظر إلى هذه المعاني من الأسباب والأشخاص أو سكن إليها سكون أنس، فيقوى قلبه بوجودها فإنه يضطرب ويستوحش أو يضعف قلبه لفقدها فهي علة في توكله. عن عيالي، فإني إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع، حتى فرضوا له قوت أهل بيت من المسلمين، لا وكس ولا شطط فلما رضوا جميعاً بذلك وأنفقوا عليه، ترك السوق لشغله بهم وبأمورهم؛ ألا تراه كيف آثر القيام بحقه وما أوجب الله عليه لأهله، وتواضع لله في حال رفعته، وأسقط الخلق عن عينه، حتى كره المسلمون ذلك فتركه بحكم ثان، فكذلك التوكل لا يزال مع الحكم الأوّل، حتى ينهج الله له طريقاً آخر فيسلكه بطريق ثان، وقد كان بعض علماء السلف يجمع إليه الناس للكلام عليهم فكان يقول: لو أعلم أنّ أهلي يحتاجون إلى باقة بقل ما تكلمت عليكم، ففي هذا بيان وبرهان لمن لم تستهوه الأهواء في إنكار التكسب على أهل التوكل احتجاجاً لنفسه واعتذاراً من بطالته، ولا يسع العلماء في الدين إلاّ البيان وكشف حقيقة العلم بالبرهان، فالتكسب والأسباب طرق أودعها الله العطاء والأرزاق لا هي تعطى وترزق بمنزلة الأواسط من الأشخاص، فالمتوكل المتسبب موقن أنّ الله سبحانه هو المعطي والمانع، وأنه هو المسبب الرازق، وأنّه هو الأوّل في التصريف والآخر في التقليب، فقلته ناظر إلى القسام، ونفسه ساكنة إلى القسم، وقلبه قانع راضٍ بالمقسوم، وجسمه متحرك في المعلوم الذي وجه فيه وسبب له، وهو عارف بمقامه، وبالمراد منه، راضٍ بحاله وما قد استسعى فيه وألزم إياه، والذي ينقص المتوكل، ويخرجه من حد التوكل، اكتساب الشبهات للاستكثار، أو السعي بالتكسب للجمع والافتخار، أو الحرص على طلب ما حظره العلم عليه أو لطلب ما يكره المنال منه، أو التسخط للأقدار إذا لم تؤاته على ماقدر، أو ترك لنصح لمن عامله بأن يحتال عليه، أو يدبر أو التشرف إلى الخلق أو الطمع في سبب؛ فهذا كله لا يصح معه التوكل، وقد قال بعض العلماء: إن العبد إذا دخل السوق للتكسب فكان درهمه أحب إليه من درهم غيره، لم ينصح للمسلمين في المبايعة، وهذا عنده يخرجه من التوكل ودخول الآفات ومساكنتها، لقصور علم أو غلبة هوى يخرج العبد من التوكل، وهو أن يكون متوكلاً على الناس بأن يطمع فيهم، أو يتصدى لهم بالتعرض والتصنع، أو يكون متوكلاً على صحة جسمه ودوام عوافيه وأنه لا يرزق إلاّ من كدّه، أو يكون متوكلاً على ماله بأن يثق به ويطمئن إليه ويحسب أنه إن افتقر انقطع رزقه، وعلامة ذلك ضنته به وإعداده له؛ عدة لكذا وعدة لكذا، فهذه المعاني تخرج من التوكل، فقد تخفي دقائقها وتدق حقائقها إلاّ على جهابذة العلماء الرابحين في العلم، المتضلعين باليقين، القائمين على الدوام بالشهادة؛ فمن نظر إلى هذه المعاني من الأسباب والأشخاص أو سكن إليها سكون أنس، فيقوى قلبه بوجودها فإنه يضطرب ويستوحش أو يضعف قلبه لفقدها فهي علة في توكله.

وروينا عن بشر بن الحرث قال: إنّ العبد ليقرأ، إياك نعبد وإياك نستعين، فيقول الله تعالى: كذبت، ما إياي تعبد ولا بي تستعين؛ لو كنت تعبد إياي لم تؤثر هواك على رضاي، ولو كنت بي تستعين لم تسكن إلى حولك ولا قوتك ولا إلى مالك ونفسك، وإنّ التارك للتكسب والتصرف في الأسواق إذا كان في أدنى كفاية وأعين بالصبر والقناعة، في مثل زماننا هذا أفضل وأتم حالاً من المتكسب إذا خاف أن لا ينال المعيشة إلاّ بمعصية الله من دخوله في شبهة عياناً أو خيانة لإخوانه المسلمين، ولأنه قد تعذر القيام بشرائط العلم مع مباشرة الأسباب وكثرة دخول الآفات والفساد في الاكتساب، فترك ملابسة أهل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015