والمنزلة عند أبنائها وفيما لا نفع فيه في الآخرة ولا قربة به عند الله تعالى وقد تشغل عن عبادة الله تعالى وتفرق الهمّ عن اجتماعه بين يدي الله تعالى وتقسي القلب عن ذكر الله تعالى وتحجب عن التفكّر في آلائه وعظمته، وقد أحدثت علوم كثيرة لم تكن تعرف فيما سلف اتخذها الغافلون علماً وجعلها البطالون شغلاً انقطعوا بها عن الله تعالى وحجبوا بها عن مشاهدة علم الحقيقة لا نستطيع ذكرها لكثرة أهلها إلا أن نسأل عن شيء منها أعلم هو أم كلام أم حقّ أو تشبيه أو صدق وحكمة أو زخرف وغرور أم سنّة، هو عتيق أو محدث وتشديق، فحينئذ نخبر بصواب ذلك، ومن أفضل الزهد: الزهد في الرياسة على الناس، وفي المنزلة والجاه عندهم، والزهد في حبّ الثناء والمدح منهم لأن هذه المعاني هي من أكثر أبواب الدنيا عند العلماء، فالزهد فيها هو زهد العلماء، كان الثوري رحمه الله تعالى يقول: الزهد في الرياسة ومدح الخلق أشدّ من الزهد في الدنيار والدرهم قال: لأن الدنيار والدرهم قد يبذلان في طلب ذلك وكان يقول: هذا باب غامض لا يبصره إلا سماسرة العلماء.

وقال الفضيل رحمه الله تعالى: نقل الصخور من الجبال أيسر من إزالة رياسة قد ثبتت في قلب جاهل، وذهب أويس القرني رحمه الله تعالى إلى أن الزهد هو ترك الطلب للمضمون، قال هرم بن حبان: لقيته على شاطئ الفرات يغسل كسراً وخرقاً قد التقطها من المنبوذ وكان ذلك أكله ولباسه قال: فسألته عن الزهد أيّ شيء هو؟ فقال: في أيّ شيء خرجت قلت: أطلب المعاش فقال: إذا وقع الطلب ذهب الزهد وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: لا زهد إلا زهد أويس بلغ به العري حتى قعد في قوصرة، وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى يقول: الزهد في النساء أن تختار المرأة الدون أو اليتيمة على المرأة الجميلة والمرأة الشريفة، وذهب إلى هذا مالك بن دينار، وقال سهل بن عبد الله رحمه الله تعالى: لا يصحّ الزهد في النساء لأنهن قد حبّبن إلى سيد الزاهدين ووافقه ابن عيينة فقال: ليس في كثرة النساء ذنب لأن أزهد الصحابة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكان له أربع نسوة وبضعة عشر سرية، وكان الجنيد يقول: أحبّ للمريد المبتدي أن لا يشغل قلبه بهذه الثلاث وإلا تغيّر حاله التكسب وطلب الحديث والتزوّج، وقال: أحبّ للصوفيّ أن لا يقرأ ولا يكتب لأنه أجمع لهمّه، وفي الخبر: إنما الزهد أن تكون بما في يد الله سبحانه وتعالى أوثق منك بما في يديك، فهذا مقام التوكّل، وذهب قوم إلى أن الزهد ترك الادخار وكانت الدنيا عندهم هو الجمع.

وقال بعضهم: الدنيا هو ما شغل القلب واهتم به فجعلوا الزهد ترك الاهتمام وطرح النفس تحت تصريف الأحكام، وهذا هو التفويض والرضا، وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان الداراني: إن مالك بن دينار قال للمغيرة: اذهب إلى البيت فخذ الركوة التي كنت أهديتها لي فإن العدوّ يوسوس إلي أن اللّص قد أخذها، فقال أبو سليمان: هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015