منها، وإنما يأخذون بعلّة غيرهم، هذا إذا طولبوا بالحقائق وألجئوا إلى المضايق، وكل هؤلاء أكلة الدنيا بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم ولا بتهذيب أخلاق نفوسهم فظهرت عليهم صفاتهم فغلبتهم فادّعوا حالاً لهم مائلون إلى الدنيا متبعون الهوى، وكان الخواص رحمه الله تعالى لا يلبس أكثر من قطعتين إزارين وقميص ومئزر تحته، ويعطف ذيل قميصه على رأسه ويغطّي به رأسه، وكذلك استحبّ للفقير هذا اللباس والأخبار في فضائل الفقر وفضل الفقراء وفي ذمّ الدنيا ونقص الأغنياء أكثرمن أن تذكر ولم نقصد جمعها ولا كثرة الاستدلال بها، ومن الزهد ترك فضول للبنيان وأن لايبنى عاليًا ولا مشيدًا ولا من الطين إلا ما يحتاج إليه وقيل: أوّل بدعة حدثت بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المناخل والموائد، وأوّل شيء ظهر من طول الأمل التدريز والتشييد يعني دروز الثياب وإنما كانت تشلّ شلاً والبنيان الجص والآجر وهو التشييد، وإنما كانوا يبنون بالسعف والجريد.

وقد جاء في الأثر: يأتي على الناس زمان يوشّون بينانهم كما توشّى البرود اليمانية، ونظر عمر رضي الله عنه في طريق الشام إلى صرح قد بني بجصّ وآجر فكبر وقال: ما كنت أظنّ أن في هذه الأمة من يبني بنيان هامان لفرعون يعني قول فرعون فأوقد لي يا هامان على الطين يعني به الآجر، يقال: أوّل من بنى بالجصّ والآجر فرعون وأوّل من عمله هامان ثم تبعهما الجبابرة، فهذا هو الزخرف، وذكر بعض السلف جامعًا في بعض الأمصار فقال: أدركت هذا المسجد مبنيّاً من الجريد والسعف ثم رأيته مبنيّاً من رهوص ثم رأيته الآن مبنيّاً باللّبن، فكان أصحاب السعف خيرًا من أصحاب الرهوص، وكان أصحاب الرهوص خيرًا من أصحاب اللبن، وقد كان في السلف من يبني داره مراراً في مدة عمره لضعف بنائه وقصر أمله ولزهده في إتقان البنيان وكان منهم من إذا حجّ أو غزا نزع بيته أو وهبه لجيرانه فإذا رجع أعاده، وكانت بيوتهم من الحشيش والثمام والجلود وعلى ذلك العرب ببلاد اليمن إلى اليوم، وأمر رسول اللهّّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس رضي الله عنه أن يهدم علية كان قد علا بها، ومرّ عليه السلام بجنبذة معلاة فقال: لمن هذه؟ قالوا: لفلان، فلما جاءه الرجل أعرض عنه فلم يكن يقبل عليه كما كان فسأل الرجل أصحابه عن تغيّر وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه فرجع فهدمها، فمرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالموضع فلم يرها فسأل عنها فأخبر أنه هدمها فدعا له بخير، وكان سمك بناء السلف قامة بسطة وقال الحسن: كنت إذا دخلت بيوت أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضربت بيدي إلى السقف، وقال عمرو بن دينار: إذا أعلى العبد البناء فوق ستة أذرع ناداه ملك إلى أين يا فاسق الفاسقين؟ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بنى فوق ما يكفيه كلّف أن يحمله يوم القيامة ومرّ عمر رضي اللّّه عنه ببيت عال فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج رؤوسها ومرّ بعامل له فرآه قد علي وشيد فقال لي: على كل خائن أمينان الماء والطين ثم شاطره ماله فجعله في بيت المال، وفي الخبر: كل نفقة يؤجر عليها العبد إلا ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015