يكون الثوب الواحد للّّه تعالى وللنفس.

وقد كان بعض العلماء يكره أن يكون على الرجل من الثياب ما يجاوز قيمة أربعين درهمًا وبعضهم يقول: إلى المائة ويعدّ سرفًا فيما جاوزها، وكان جمهور العلماء وخيار التابعين قيمة ثيابهم ما بين العشرين إلى الثلاثين، وكان المتقدّمون من الصحابة أثمان إزارهم اثنا عشر درهمًا، فكانوا يلبسون ثوبين قيمة نيف وعشرين درهماً، واشترى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوباً بأربعة دراهم وكان قيمة ثوبيه عشرة إلى دينار، وكان طول إزاره أربعة أذرع ونصف، واشترى سراويل بثلاثة دراهم وكان يلبس شملتين بيضاوين من صوف وكانت تسمّى حلّة لأنها ثوبان من جنس واحد وربما لبس ثوبين من جنس واحد وربما لبس بردتين يمانيين أو سحوليين من هذه الغلاظ، وفي الخبر: كان قميص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه قميص زيات وقد لبس عليه السلام يوماً واحداً ثوب سيراء من سندس قيمته مائتا درهم فكان أصحابه يلمسون ويقولون: أنزل عليك هذا من الجنة تعجّباً منه وكان قد أهداه إليه المقوقس ملك الإسكندرية فأراد أن يكرمه بقبول هديته ويلبسه ثم نزعه، وأرسل به إلى رجل من المشركين وصله به ثم حرم لبس الحرير والديباج، وقد يكون لبسه إياه توكيدًا للتحريم بعده كما لبس خاتمًا من ذهب يوماً واحداً، ثم نزعه فحرم لبسه على الرجال، وكما قال لعائشة رضي الله عنها في شأن بريرة: اشترطي لأهلها الولاء، فلما اشترطته صعد المنبر فحرمه فهذا يكون مؤكدًا للتحريم، وكما أباح المتعة ثلاثًا ثم حرمها لتوكيد أمر النكاح، وقد يحتج بمثل هذا علماء الدنيا ويطرقون به لنفوسهم ويدعون الناس منه إليهم ويظهرون الدعوة إلى الله تعالى تأولاً بمتشابه الحديث كما تأوّل أهل الزيغ متشابه القرآن على أهوائهم ابتغاء الفتنة وطلبًا للدنيا لأن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معاني كلام اللّّه تعالى فيه: ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وخاصّ وعام، وعدل علماء الدنيا وأهل الأهواء عن المحكم السائر من فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله إلى ما ذكرناه وقد صلّى رسو ل الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خميصة لها علم، فلما سلم قال: شغلني النظر إلى هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بانبجانيته يعني كساءه فاختار لبس الكساء على الثوب الناعم.

ورأى على باب عائشة رضي الله عنها ستراً فهتكه وقال: كلما رأيته ذكرت الدنيا: أرسلي به إلى آل فلان، وفرشت له عائشة رضي الله عنها ذات ليلة فراشًا جديدًا وكان ينام على عباءة مثنية، فما زال يتقلّب ليلته فلما أصبح قال: أعيدي العباءة الخلقة ونحّي هذا الفراش عني قد أسهرني الليلة، وكذلك أتته دنانير خمسة أو ستة عشاء فبيتها فسهر ليلته حتى آخرجها من آخر الليل، قالت عائشة: فنام حينئذ حتى سمعت غطيطه ثم قال: ما ظنّ محمد بربه لو لقي الله تعالى وهذه عنده، وكان شراك نعله العربيّ قد أخلق فأبدل بسير جديد، فصلّى فيه فلما سلم قال: أعيدوا الشراك الخلق وانزعوا هذا الجديد فإني نظرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015