يكون قلة الشيء أحبّ إليه من كثرة الشيء، وروينا عن عيسى عليه السلام: الدنيا قنطرة خلقت يعبر عليها إلى الآخرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال له رجل: احملني معك في ساحتك فقال: أخرج مالك والحقني قال: لا أستطيع فقال عيسى عليه السلام بشدة: يدخل الغني الجنة أو قال بعجب: وقالوا له: لو أمرتنا يا نبي الله أن نبني بيتًا نعبد الله فيه فقال: اذهبوا فابنوا بيتًا على الماء قالوا: كيف يستقيم بنيان على الماء قال: فكيف تستقيم عبادة على حبّ الدنيا وقال: لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى لا يحبّ أن يحمد بعبادة اللّّّه تعالى ولايبالي من أكل الدنيا، وكان بشر بن الحارث يقول: لا تحسن التقوى إلا بزهد وقال مرة: العبادة لا تليق بالأغنياء مثل العبادة على الغني مثل روضة على المزبلة، ومثل العبادة على الفقير مثل عقد الجوهر في جيد الحسناء، وقد استنبطنا ذلك من كتاب الله تعالى فمعنى وصف الفقراء في العبادة في قوله سبحانه وتعالى: (للِْفُقَرَاء الَّذينَ أُحْصِرُوا في سَبيلِ الله) البقرة: 273 ثم قال: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الفتح: 29 فحسنت لبسة العبادة عليهم لحسن سيماهم بالفقر، وروينا في وصية لقمان لابنه وهو يحذّره مداخل العدو قال: وإذا جاءك من قبل الفقر فأخبره أن الغني من أطاع اللّّه تعالى والفقير من انتهك معصيته وإذا شهى إليك الغني فأخبره أنه لا يحسن جمع الغنى والقراءة، وقال بعض السلف: أبي أهل العلم بالله تعالى أن يسمعوا الحكمة والوعظ إلا من الزاهدين في الدنيا وقالوا: ليس أهل الدنيا لذلك أهلاً ولا يليق بهم.

وروينا عن عيسى عليه السلام فيما أوحى الله تعالى إليه: يا ابن آدم ابك أيام الحياة بكاء من ودّع الدنيا وارتفعت رغبته إلى ما عند الله تعالى، اكتف بالبلغة من الدنيا ليكفك منها الجشب والخشن بحقّ أقول لك ما أنت إلا بيومك وساعتك مكتوب عليك ما أخذت الدنيا وفيما أنفقته فاعمل على حسب هذا، فإنك مسوؤل عنه، لو رأيت ما وعدت الصالحين لزهقت نفسك، فكان عيسى عليه السلام يقول: حلاوة الدنيا مرارة الآخرة وجودة الثياب خيلاء القلب يعني إعجابه وكبره وملء البطن جمام النفس يعني قوتها واجتماعها، بحقّ أقول لكم: لكما لا يلذ المريض بطيب الطعام كذلك لا يجد حلاوة العبادة من أحبّ الدنيا، ومن الزهد في الدنيا ترك الملبس الناعم والمنظور إلىه المرتفع واجتناب النزهات من لطائف الطعام والتفتق في الشهوات التي يرغب فيها المتنعمون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015